تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 12 - 2009, 09:25 ص]ـ

وقد حمل العقل الأوروبي عن الحضارة الإسلامية: مكاسب فكرية، دون أن ينظر بعين الموضوعية التي يدعيها إلى أصل الملة التوحيدية، فإن أوروبا، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، لم تحاول يوما من الدهر أن تنظر في أصول الإسلام وإنما حملت عداءه عن الكنيسة التي أقامت صرح طغيانها على أنقاض الإنسان الأوروبي الذي استرقت عقله وروحه وبدنه بعقدة الخطيئة الأولى، فما يعانيه من ظلم واضطهاد الكنيسة ما هو إلا جزء يسير من ثمن تسدده البشرية من لدن آدم إلى قيام الساعة، فذلك ما احتجت به الكنيسة لتمرير عقيدة الصلب فداء للنوع الإنساني، ومع ذلك لم يحصل ذلك الفداء، بل زادت قيود الأسر إحكاما فاستباحت الكنيسة استرقاق الأرواح بصكوك الغفران والحرمان فهي التي تحدد مصاير أتباعها فتغفر لمن تشاء وتعذب من تشاء!، فضلا عن استرقاق الأبدان في إقطاعيات الكنيسة التي جعلت قديسيها أشبه ما يكونون بالبارونات!.

يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:

"ونافست، (أي: الكنيسة)، الأمراء الإقطاعيين في إذلال الشعوب وقهرها.

ويأتي التبرير المسيحي لنظام الاسترقاق الإقطاعي على يد القديس توما الإكويني الذي فسره بأنه "نتيجة لخطيئة آدم" وكأن رجال الكنيسة والبارونات ليسوا من بني آدم. (وهذا أمر غالب على كل رءوس الضلالة فإنهم يستبيحون من أتباعهم ما لا يجيزون لأتباعهم استباحته منهم، فلا يمكن في أي طريقة باطلة تفرض نفسها على معتنقيها برسم الديانة التي لا تحصل النجاة إلا بها، لا يمكن أن يكون أصل التكليف واحدا، وإن ادعى ذلك من ادعى من الرءوس، لأن المقالة ما نشأت أصلا إلا لتحقيق مكاسب شخصية لفئة معينة تترسم برسم الدين، فإذا حصلت التسوية بطلت تلك المكاسب بداهة، وهذا ما جعل صناديد قريش يعرضون عن قبول دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنها لم تقابل في أنفسهم شبهة تستبعدها، إذ هي على منهاج الفطرة السوية سائرة ولم يكن كثير منهم مقتنعا بتلك الآلهة بل كان عقلاؤهم يمجونها فضلا عن علمهم برجاحة عقله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيبعد أن يأتيهم بأمر خارج عن ناموس العقل الصريح، ولو كان من عنده، فكيف وقد أتاهم به من عند الله، عز وجل، فادعى أعظم دعوى فلم يكذبوه في بواطنهم لعلمهم بكمال خلقه: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، ولم يقدروا على معارضة معجزته أو إبطال مقالته بحجة صحيحة، فقد قامت بذلك كل الأسباب الموجبة لاتباعه، ومع ذلك لم يتبعوه، إذ قابلت دعواه شهوة الرياسة والجاه التي ستنزع منهم بمقتضى تكليف الشرع الذي يسوي بين العباد في الأحكام الكلية، وإن اختص بعضهم كما اختص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببعض الأحكام فعلى سبيل الاستثناء، فليس قاعدة مطردة فضلا عن كونه في فروع لا تمس أصل الديانة، مع كون كثير منها تكليفا إضافيا لا ميزة دنيوية كوجوب قيام الليل وجواز وصال الصوم وهو أشق على النفس وتحريم الصدقة عليه وعلى آله).

وهناك حقيقة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا فيما يتعلق بالثورات الفلاحية، وهي أن هذه الثورات لم تكن تمرداً على الكنيسة لأنها كنيسة بل لأنها: "مالك إقطاعي".

يقول ويلز:

(كانت ثورة الشعب على الكنيسة دينية … فلم يكن اعتراضهم على قوة الكنيسة بل على مساوئها ونواحي الضعف فيها وكانت حركات تمردهم على الكنيسة حركات لا يقصد بها الفكاك من الرقابة بل طلب رقابة دينية أتم وأوفي … وقد اعترضوا على البابا لا لأنه الرأس الديني للعالم المسيحي بل لأنه لم يكن كذلك أي لأنه كان أميراً ثرياً دنيوياً بينما كان يجب أن يكون قائدهم الروحي) ". اهـ

بتصرف من "العلمانية": ص166، 167.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير