تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن كل تلك المعاني لم تكن موجودة في عصور الجمود المتأخرة، بل كان ضدها هو المهيمن على العقل المسلم الذي راح في سبات عميق، في وقت كان العقل الأوروبي فيه يعد العدة المادية والفكرية لغزوه، فكانت الحملة الفرنسية على مصر بعد إحراز أول انتصار للعلمانية في أوروبا بنحو 12 سنة: حملة سياسية عسكرية ثقافية، فحشد نابليون عسكره الحربي وعسكره الثقافي، لاستباحة أرض مصر، واستباحة العقل المصري المسلم المرتبط آنذاك، رغم ركوده، بالدين ارتباطا وثيقا، فالجامعة الإسلامية العثمانية لا زالت تمسك بزمام الأمة، فلا تنفلت يمنة أو يسرة، وإن تراخت قبضتها آنذاك، فاقتضت سنة التدافع بين الفكر العلماني: السيد الجديد في أوروبا بعد زوال سلطان السيد الديني، والوحي الإلهي الذي حفظ من التبديل واختصت أمة الشرق المسلم بإرثه، أن تقع تلك المواجهة التي كانت باكورة عاصفة التغريب التي اجتاحت الشرق المسلم في العصر الحديث، ولم يكن عند المسلمين آنذاك من القوة الروحية والقوة المادية والقوة الحضارية: مدنية وفكرا مستنيرا ما يمكنها من صد تلك الهجمة كما صد أسلافها الهجمة الصليبية الأولى، فأمة الشرق آنذاك، كانت صاحبة الريادة الحضارية، وإن اعترى الجسد المسلم حينها من أعراض التفكك ما أطمع الغرب النصراني فيه حتى ظهر الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، رحمه الله، الذي وحد الجبهة الإسلامية فكان ما قد علم من سيرته من جهاد مبارك لطرد الغزاة استكمله من جاء بعده حتى طرد الأشرف خليل، رحمه الله، آخر فلولهم من بلاد الشام فكان التصور الإسلامي صحيحا تنقصه القيادة الراشدة حتى جاء نور الدين وتلميذه صلاح الدين ومن بعدهم لا سيما المماليك المفترى عليهم الذين حملوا لواء الإسلام وخاضوا معارك مصيرية حفظ بها هذا الدين من الفناء، ولو لم يكن لهم إلا عين جالوت لكفاهم.

ولكن المسلمين إبان حملة نابليون لم يكن عندهم رصيد حضاري كاف يمكنهم من صد تلك الحملة، حتى على مستوى التسليح المادي فكان سلاحهم بدائيا بالمقارنة مع سلاح الجيش الفرنسي الحديث، فضلا عن الضعف المعنوي الناشئ من الخلل الاعتقادي فالبدع قد انتشرت في كل مدينة وقرية، والمقررات العقدية المخالفة لمذهب أهل السنة من مقررات المتكلمين في الإلهيات ومقررات المرجئة في الإيمانيات ومقررات أهل الطريق الذين غلو في معاني الزهد والتجريد فضلا عما سرى في جمهورهم من بدع عملية من سماعات وأوراد محدثة، بل وصل الأمر إلى حد استباحة الفواحش برسم الديانة والولاية، وذلك وسط يطمع أي غاز محتل، إذ لن يجد كبير مقاومة، بل ربما وجد التأييد من بعض أهل البلاد المحتلة، سواء أكانوا من المستغربين المستعبدين لمقرراته فكريا، أم من الخونة الذين يطمحون إلى أي مكسب سياسي رخيص، أم من المبتدعة الذين يكيدون للإسلام وأهله وإن أظهروا الانتساب إليه وأقوالهم وأفعالهم عند التحقيق تناقضه، أم من البسطاء الذين تخدعهم آلة الحرب الإعلامية كأولئك الذين احتفلوا مع نابليون بالمولد النبوي!.

وكان نابليون حريصا على إشاعة مظاهر الفحش في أوساط المسلمين فلعبت نساء فرنسا دورا بارزا في تحرير المرأة المصرية فالعهد بالتحرير قديم!، وإليه أشار الجبرتي، رحمه الله، في تاريخه بقوله:

"ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير