تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الخاصة فهم يعلمون أن هذه أمثال مضروبة لأمور عقلية تعجز عن إدراكها عقول الجمهور فتأويلها جناية على الشريعة والحكمة وإقرارها إقرار للشريعة والحكمة قالوا وعقول الجمهور بالنسبة إلى هذه الحقائق أضعف من عقول الصبيان بالنسبة إلى ما يدركه عقلاء الرجال وأهل الحكمة منهم والحكيم إذا أراد أن يخوف الصغير أو يبسط أمله خوفه ورجاه بما يناسب فهمه وطبعه.

وحقيقة الأمر عند هذه الطائفة أن الذي أخبرت به الرسل عن الله وصفاته وأفعاله وعن اليوم الآخر لا حقيقة له يطابق ما أخبروا به ولكنه أمثال وتخييل وتفهيم بضرب الأمثال". اهـ

فللجمهور خطاب يلائم مداركهم، وللخاصة من أرباب الصنائع العقلية خطاب يلائمهم، وذلك مفض إلى انسلاخ الآخرين من الديانة بزعم إدراك الحقيقة التي لا يلزم صاحبها اتباع الشريعة، وهو أمر سرى في مراحل تالية إلى غلاة المتفلسفة من أهل الطريق الذين أبطلوا الشريعة بل الديانة جملة وتفصيلا فجوزوا حصول النجاة حتى لمن لم يكن على رسم الإسلام ولو ظاهرا، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الصفدية" بقوله:

"ولهذا ذكر ابن عربي في أول الفتوحات ثلاث عقائد عقيدة مختصرة من إرشاد أبي المعالي بحججها الكلامية ثم عقيدة فلسفية كأنها مأخوذة من ابن سينا وأمثاله ثم أشار إلى اعتقاده الباطن الذي أفصح به في فصوص الحكم وهو وحدة الوجود فقال: وأما عقيدة خلاصة الخاصة فتأتي مفرقة في الكتاب.

ولهذا كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يعكسون دين الإسلام فيجعلون أفضل الخلق المحقق عندهم وهو القائل بالوحدة وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهوديا أو نصرانيا بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإسلام ويجعلون هذه طرقا إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين ويقولون لمن يختص بهم من النصارى واليهود إذا عرفتم التحقيق لم يضركم بقاؤكم على ملتكم بل يقولون مثل هذا للمشركين عباد الأوثان حتى أن رجلا كبيرا من القضاة كان من غلمان ابن عربي فلما قدم ملك المشركين الترك هولاكو خان المشرك إلى الشام وولاه القضاء وأتى دمشق أخذ يعظم ذلك الملك الذي فعل في الإسلام وأهله ببغداد وحلب وغيرهما من البلاد ما قد شهر بين العباد فقال له بعض من شهده من طلبة الفقهاء ذلك الوقت يا سيدي ليته كان مسلما فبالغ في خصومته مبالغة أخافته وقال أي حاجة بهذا إلى الإسلام وأي شيء يفعل هذا بالإسلام سواء كان مسلما أو غير مسلم ونحو هذا الكلام وهذا كان من آثار مذهب الذين يدعون التحقيق ويجعلون المتحقق الذي يسوغ التدين بدين المسلمين واليهود والنصارى والمشركين هو أفضل الخلق". اهـ

"الصفدية(1/ 267_270).

فلا عجب أن تحتفي الدوائر الثقافية العالمية بأولئك الزنادقة إذ هم رأس حربة يطعن به في صلب الإسلام باسم الإسلام فهم منتسبون إليه ولو اسما.

والتوفيق أو التلفيق بين الوحي والفلسفة هو ما اطرد في تقريرات ابن رشد ومن قبله ابن سينا حتى صارت مقالاتهم برزخا بين الإسلام والإلحاد، وإن كان ابن رشد، رحمه الله، أرسخ قدما في الديانة.

يقول ابن تيمية رحمه الله في "شرح الأصفهانية":

"وما ذكره أبو حامد فيه من تقرير النبوة في الجملة على الأصول التي يسلمها المتفلسفة ويعرفونها ما ينتفع به من كان متفلسفا محضا فإن ذلك يوجب أن يدخل في الإسلام نوع دخول وكلام أبي حامد في هذا ونحوه يصلح أن يكون برزخا بين المتفلسفة وبين أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى فالمتفلسفة تنتفع به حيث يصير عندهم من الإيمان والعلم ما لا يحصل لهم بمجرد الفلسفة.

وأما من كان مسلما يريد أن يستكمل العلم والإيمان فإن ذلك يضره من وجه ويرده عن كثير من كمال الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر وإن كان ينفعه من حيث يحول بينه وبين الفلسفة المحضة إلا أن يكون حسن الظن بالفلسفة دون أصول الإسلام فإنه يخرجه إلى الإلحاد المحض كما أصاب ابن عربي الطائي وابن سبعين وأمثالهما". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير