تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويبقى الأثر الإيجابي الأبرز للحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية هو ما حمله العقل الأوروبي عن العقل المسلم من انتصار للمنهج التجريبي في الطبيعيات وعلى مقرراته قامت النهضة الصناعية الحديثة، فكان عمل أمثال: "روجر بيكون"، و: "فرنسيس بيكون"، و: "ديكارت"، و: "جون استيورات مل"، و: "جوبلو" فرعا عن عمل أمثال ابن تيمية، رحمه الله، بل إن بعضه يبدو وكأنه ترجمة حرفية له.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 12 - 2009, 08:54 ص]ـ

وعن منهج الفلسفة في الأخلاق:

فنظرة الفلسفة إلى الأخلاق كنظرتها لبقية موضوعاتها: نظرة كلية معيارية، فهي لا تعنى بتقرير الأخلاق، وإنما تعنى بالقيم التي تصدر عنها تلك الأخلاق، فالأخلاق ترجمة عملية للقيم الكلية التي تسود أمة من الأمم، ففي المجتمعات الأبيقورية التي يغلب عليها الفكر المادي تكون القيم مادية فتصدر عنها أخلاق مادية نفعية غايتها تحصيل المنفعة العاجلة واللذة الآنية كما قد علم من تاريخ أمة اليونان، فاللذة قيمة عظمى، حملتهم على القيء عمدا إذا أكلوا ليباشروا لذة المطعوم مرة أخرى!، ولا يكون ذلك إلا فرعا عن نزعة إلحادية لا ترى دارا بعد هذه الدار لتدخر لها صالح قول أو عمل.

وهو أمر تعاني منه البشرية اليوم على تفاوت بينها تبعا لحظها من علوم النبوات، فالشرق المسلم، وإن كان يعاني من تيار مادي جارف تولى كبره العلمانيون، قد عظم القيم الدنيوية وحقر بلسان الحال والمقال في أحيان كثيرة، القيم الدينية، إلا أنه خير من الغرب النصراني الذي بلغ دركات سفلى من الشهوات ألحقت فئاما منه بالحيوانات العجماء بل رتبته التصنيفية من جهة السلوك، قد تنحط عن مرتبة كثير من الحيوانات، التي لا تعاني من انتكاس في الفطرة، وإن باشرت ما ركز فيها من الغرائز بلا تحفظ لعدم آلة التكليف، فلا تلام على مباشرة الأفعال الجبلية من مطعم ومنكح بلا تحفظ أو استتار، بخلاف من أوتي آلة التكليف تشريفا فأبى إلا أن يحقر من شأنه بنفسه فعطلها عن النظر في الكونيات والشرعيات، فحال من لم يؤتها ابتداء خير منه إذ هو معذور بعدمها.

وفي المجتمعات التي تسود فيها الفلسفة الرواقية التي يغلب عليها الفكر التجريدي تكون القيم معنوية فتصدر عنها أخلاق تجريدية كرد فعل من الرواقيين لما وقع فيه الأبيقوريون من انهماك في الشهوات، وهو أمر سرى إلى رهبان النصارى الذين اعتزلوا شعوب الإمبراطورية الرومانية التي انهمكت في الملذات، وإلى متصوفة الإسلام الذين اعتزلوا أيضا شعوب الخلافة الإسلامية لما انهمكت في الملذات، فالأمر قد تكرر في كل الأمم تقريبا، إذ الزهد في الشهوات في مقابل الغلو في تناولها أمر عالمي لا تختص به أمة دون أخرى، فأخلاق كلا الفريقين: نسبية، لا يصدر من قاعدة مستقرة، بل هو رد فعل لمؤثر خارجي من سعة في المعاش هي مظنة الانغماس في الشهوات، وانحلال أخلاقي يوقع المخالف في غلو مضاد فيهجر الشهوات كلية كما انغمس فيها الأول كلية.

فيقال إجمالا:

القيم تنظير للأخلاق، والأخلاق تطبيق للقيم.

والفلسفة قد جعلت الحكمة العلمية: غاية، والحكمة العملية من أخلاق وسياسة: وسيلة، فالعبادات بشروطها وأركانها التي قررها الفقهاء في مدوناتهم تقتضي، كما يقول ابن رشد الحفيد رحمه الله: الفضيلة العملية. فالصلاة والزكاة ......... إلخ بواعث على تصفية المحل لتلقي فيوضات العقل الكلي الذي يهب العقل الجزئي من المواهب العلمية ما يصيره أهلا للنبوة، فيباشر من علومها الغيبية ما يباشره النبي المصطفى، فالنبوة عندهم هي:

"كمال للنفس الناطقة تستعد به لأن تفيض عليها المعارف من العقل الفعال من غير أن يكون هناك خطاب حقيقي لله تعالى". اهـ

"شرح الأصفهانية"، ص307.

فما العمل إلا تكميل لقوى النفس التخييلية والتأثيرية التي جعلها غلاة الفلاسفة العمدة في باب النبوات، فهي التي تحدث في نفس النبي الأشكال النورانية والأصوات الملائكية فيحصل الفيلسوف بها من العلوم ما يقربه إلى العامة بضرب الأمثال فخطاب الجمهور لا يكون إلا بضرب الأمثال بأجناس المدركات بالحس الظاهر في عالم الشهادة، فيجوز عليهم الكذب لمصلحة الجماهير كما زعم ذلك الفارابي وأمثاله من غلاة الفلاسفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير