تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وأما الفلاسفة الذين لم يدخلوا في القرمطة المحضة فهم لا ينكرون العبادات والشرائع العملية بل قد يوجبون إتباعها والعمل بها لا سيما من دخل منهم في التصوف أو الكلام لكن منهم من يوجب اتباعها على العامة دون الخاصة أو يوجبها من غير الوجه الذي أوجبها الرسول كما يجوزون أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم من يأتي بشريعة أخرى ويقولون: إن أحدهم يخاطبه الله سبحانه وتعالى كما خاطب موسى بن عمران ويعرج به كما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمثال هذه المقالات التي كثرت لما ظهرت الفلسفة التي أفسدت طوائف من أهل التصوف والكلام". اهـ

"شرح العقيدة الأصفهانية"، ص412.

فلسان حالهم كما يحكيه أبو حامد الغزالي رحمه الله:

"لست أفعل هذا تقليدا ولكني قرأت علم الفلسفة وأدركت حقيقة النبوة وأن حاصلها يرجع إلى المصلحة والحكمة وإن المقصود من تعبداتها ضبط عوام الخلق وتقييدهم عن التقاتل والتنازع والاسترسال في الشهوات فما أنا من العوام الجهال حتى أدخل في حجر التكليف وإنما أنا من الحكماء أتبع الحكمة وأنا بصير بها مستغني فيها عن التقليد.

هذا منتهى إيمان من قرأ فلسفة الإلهيين منهم ويعلم ذلك من كتب ابن سينا وأبي نصر الفارابي وهؤلاء المتجملون منهم بالإسلام وربما يرى الواحد منهم يقرأ القرآن ويحضر الجماعات والصلوات ويعظم الشريعة بلسانه ولكنه مع ذلك لا يترك شرب الخمر وأنواعا من الفسق والفجور.

وإذا قيل له: إن كانت النبوة غير صحيحة فلم تصلي؟ فربما يقول: رياضة الجسد وعادة البلد وحفظ الذرية والولد. وربما قال: الشريعة صحيحة والنبوة حق فيقال: له فلم تشرب الخمر؟. فيقول: إنما نُهِي عن الخمر لأنها تورث العداوة والبغضاء وأنا بحكمتي محترز عن ذلك وإني أقصد به تشحيذ خاطري حتى أن ابن سينا ذكر في وصية له كتب فيها أنه عاهد الله تعالى على كذا وكذا وأن يعظم الأوضاع الشرعية ولا يقصر في العبادات الدينية ولا يشرب الخمر تلهيا بل تداويا وتشفيا وكان منتهى حالته في صفاء الإيمان والتزام العبادات أن يستثني شرب الخمر لغرض التشفي".

نقلا عن: "شرح الأصفهانية"، ص289، 290.

ويكاد هذا القول يكون أصلا لفلسفة الأخلاق الأوروبية المعاصرة، فإن المصلحة هي المعيار لكل سلوك بشري دون نظر إلى المآل، فليس ثم إلا أخلاق نفعية، لا يتخلق بها صاحبها ديانة، بل غايتها أن تكون جبلة، وغالبا ما تكون تكلفا وتصنعا لتحقيق مآرب عاجلة فهي على حد: "العلاقات العامة" التي تدار بكلمات المجاملة الكاذبة وابتسامات الوجوه الباردة، فالمعيار هو: المنفعة، ولا شيء بعدها من رجاء ثواب أو خشية عقاب، فتلك تصورات لا تتلقى إلا من قبل النبوات التي جاءت بتفصيل مجملات ما بعد الموت من أحوال الدور الغيبية من برزخ ودار مقامة ينعم أصحابها، ودار مهانة يعذب أصحابها ....... إلخ، ولا حظ للفلاسفة ومن تولى قبلتهم من الإسلاميين فغايتهم تحصيل المنفعة الآنية ولذلك:

يقع التناقض بين سلوك الفرد الاجتماعي وسلوكه الفردي، فإن معيار المنفعة: معيار يقيس إنتاج الفرد المادي تحقيقا لمصلحة الجماعة دون نظر إلى حال الفرد في نفسه صلاحا أو فسادا فلا يعنى إلا بتحقيق المصلحة العامة ولو على حساب المصلحة الخاصة، فلا يعنيه كثيرا أن يكون أفراد الجماعة أو تروس الآلة في غاية التعاسة أو الرداءة، وإنما يعنيه مقدار ما ينتجه الفرد أو الترس، فإن فسد أو صدأ استبدل غيرُه به وألقي التالف في سلة المهملات، على طريقة: من لا يعمل لا يأكل!، فمن لا ينتج لا يصلح، والإنتاج لا يكون إلا ماديا محسوسا، فلا يعنى أي دستور أرضي بحالة الفرد الإيمانية أو النفسية أو الأخلاقية، وإن كانت في غاية السوء، بل قد تؤثر على إنتاجه المادي محط نظر الجماعة المنتفعة، وإنما يعنى أصالة بقدرته الإنتاجية فطالما كان آلة صالحة، ولو بلا روح، فهو عضو نافع، لتحليه بالخلق النفعي الجالب للربح المادي، ولو كانت أخلاقه الشخصية في غاية الرداءة فليس مهما أن يكون فاحشا داعرا طالما أنه يؤدي دوره الميكانيكي بكفاءة!. ولعل تولي إحدى الزواني رئاسة إحدى الدول الإسكندنافية، وتصريح وزير الخارجية الألماني جيدو فيستر بشذوذه علنا معتبرا ذلك أمرا شخصيا لا يؤثر ألبتة على كفاءته العملية!، لعل ذلك خير شاهد على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير