تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"إن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم كما قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل وكما قيل: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول إذا لم يتبعه موجبه ومقتضاه من العمل قد يزول إذ وجود العلة يقتضي وجود المعلول وعدم المعلول يقتضي عدم العلة فكما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل فعدم الإرادة والعمل سبب لعدم العلم والتصديق". اهـ

ويقول ابن القيم، رحمه الله، في "مفتاح دار السعادة":

"الوجه السادس، (من أوجه نسيان العلم)، عدم العمل به فإن العمل به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه فإذا أهمل العمل به نسيه قال بعض السلف: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به وقال بعض السلف أيضا: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حل والا ارتحل فالعمل به من أعظم أسباب حفظه وثباته وترك العمل به إضاعة له فما استدر العلم ولا استجلب بمثل العمل، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) ". اهـ

فلو سلم لهم بأن العلم في حد ذاته غاية فإنه لا يمكن تحقيقه ابتداء، واستدامته انتهاء إلا بالعمل المذكر به.

فالعلم مقتض للعمل، والعمل مقتض للعلم، فلا يمكن الفصل بينها فيجرد علم بلا عمل يصدقه في الخارج، وإنما محض تصور نظري لا أثر له في الواقع، ويجرد عمل بلا تصور سابق يباشره الإنسان كالآلة الصماء دون إرادة سابقة، كما أنه لا يمكن الفصل بين الروح والجسد حال الحياة فتجرد روح بلا جسد، وجسد بلا روح، فإن ذلك لا يكون إلا حال الممات، لا الحياة التي هي محل التصورات والإرادات وما يتولد عنها من التصديقات العملية في الواقع، ولذلك اشتد نكير أهل العلم بل سائر العقلاء على من فرق بين العلم والعمل، فجوز حصول الإيمان لمجرد التصديق الباطن وإن لم يصدقه عمل الظاهر، فأخرج الأعمال من مسمى الإيمان، في مناقضة صريحة لنصوص الشريعة، بل وللقياس والحس السليم الذي يشهد بأن أي تصور علمي صلح أو فسد لا بد أن يثمر عملا في الخارج يكون صلاحه أو فساده فرعا عن صلاح أو فساد أصله، فهو له كالمعلول الناتج من علته المنتِجة، فإذا وجدت العلة، وكان المحل قابلا لها، وكانت الآلة الظاهرة من الجوارح والحواس التي بها تصديق العلوم الباطنة: صالحة فيصح تعلق التكليف بها لقدرتها على امتثال أمره ونهيه، إذا وجد كل ذلك فإنه لا بد شرعا وعقلا من حكم خارجي مصدق لتلك العلة، فالمعلول العملي كائن لا محالة، والعلم له مبدأ هو قوة العقل، والعمل له مبدأ هو قوة الغرائز المخلوقة، وتكامل العقل الذي هو ترجمان الروح مع الغرائز التي هي ترجمان البدن: تكامل دقيق لا يمكن الفصل بين شقيه إلا بارتفاع التكليف بموت أو جنون أو نوم أو إغماء ........ إلخ من الموانع العقلية، أو: عجز أو بتر ....... إلخ من الموانع البدنية، فلا يتصور أن تتكامل القوى العلمية والقوى الغريزية فلا ترشد الأولى الثانية إلى تحصيل ما تلتذ به، فالبحث عن اللذة مرادهما معا، فللعقل، كما تقدم في مواضع سابقة، لذاته العلمية والوهمية، وللبدن لذاته الغريزية وهي أدنى مراتب اللذة وإن كان تحصيلها مباحا بل مندوبا إليه في الجملة بل هو عند التحقيق: واجب كفائي لا يحفظ النوع الإنساني إلا بمباشرة أجناسه، بل قد يرتقي إلى الواجب العيني في بعض الأحيان، ولا توجد نفس حساسة أو غريزة فعالة تتحرك إلى ما فيه ضررها أو هلاكها، وإنما تباشر الضار المهلك برسم الانتفاع والنجاة لفساد في تصورها الأول، فلا ترى الحق حقا لتواليه، ولا ترى الباطل باطلا لتعاديه، وإنما قد التبس عليها الأمر، لاحتجابها عن علوم النبوات بأستار الشبهات والشهوات، فسترت الشبهات العلمية العقل فأضعفت قواه وأفسدت أحكامه، وسترت الشهوات العملية قوى الغريزة فاستباحت أجناس اللذة المحرمة التي بها فساد حالها آجلا وإن استدرجت بلذة عابرة سرعان ما تنقضي ولا يبقى إلا شؤمها المفضي بتوالي مباشرتها إلى إفساد المحل فتضعف القوة الغريزية، بل قد تفسد فلا ينتفع بها صاحبها في تحصيل لذة، وتأمل حال من أفرط في الشهوات المحرمة، من مطعوم أو منكوح .... إلخ كيف يفقد الشعور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير