تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتكامل بين العلم والعمل أمر ظاهر في دين الإسلام بل هو من الدقة بمكان، فيصعب بل يستحيل الفصل بينهما إلا في قاعات الدرس التي تقسم فيها العلوم تقسيما اصطلاحيا يسهل على الدارس تناول مسائلها فعلم العقيدة يتعلق بالعلميات، وعلم الفقة يتعلق بالعمليات .......... إلخ، فذلك أمر مقدر في الذهن مسطر في الكتب، ولكن ليس ثم في الخارج إلا إنسان حي متحرك حساس هو مزيج متجانس من التصورات العلمية والإرادات العملية التي تنشأ منها، فلا يمكن أن يسوى بين الفقه الإسلامي الذي هو عند التحقيق: فقه أخلاقي، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، فأحكامه، وإن كانت عملية، إلا أن مبعثها أخلاقي يتولد من مراقبة المكلف لربه، عز وجل، فهي كما تقدم: أخلاق شرعية مستندها الوحي، لا أخلاق مادية مستندها المنفعة المجردة، فنظرة الفقه الإسلامي إلى العمل نظرة مزدوجة قد جمعت بين الثواب أو العقاب العاجل حفظا لكيان الجماعة المسلمة في دار الابتلاء، والثواب أو العقاب الآجل تربية للنفوس على مهابة المخالفة لأمر الرب، جل وعلا، الذي به صلاح الأولى والآخرة، بخلاف نظرة الفقه الوضعي فإنها قاصرة على الثواب والعقاب العاجل حفظا لكيان الجماعة دون نظر إلى معاني الابتلاء والمراقبة ....... إلخ التي تولد في النفس زاجرا أول يمنعها من مباشرة المخالفة ديانة لا خوفا من سيف السلطان، فهو الزاجر الثاني الذي يحسم مادة الفساد إن ضعف سلطان الزاجر الأول على النفوس في الأزمان التي ترق فيها الديانة، ولذلك يحتال من يحتال على قوانين الأرض لعدم قدسيتها في نفسه، بخلاف قوانين السماء التي تربي في المكلف ملكة الإحسان بمراقبة من لا يغفل ولا ينام، تبارك وتعالى، فعليه من نفسه رقيب يزجره قبل أن يكون عليه من السلطان سيف يردعه، ولذلك كان الفقه في اصطلاح الأوائل قبل تمايز الفنون عند أهل الاصطلاح الحادث، كان الفقه عندهم كما عرفه الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "الفقه: معرفة النفس ما لها وما عليها"، فتلك من الإمام المسدد: كلية جامعة لسائر أحوال المكلف العلمية والعملية والأخلاقية ........ إلخ، وذلك العموم هو سر اعتزال عمر، رضي الله عنه، القضاء قبل وفاة الصديق، رضي الله عنه، بنحو أربعة أشهر، كما حكى أهل السير، إذ لم يطرق مجلس قضائه أحد لمدة: عام ونصف!، فلم يعد لقضاء السلطان أثر، فاعتزل لينتفع بوقته في شأن آخر من شئون الدين أو الدنيا، فلما كلم في ذلك فقيل له: يهابونك يا عمر، قال: بل عرف كل ذي حق حقه!، ولك أن تردد النظر بين مقالة الملهم عمر، والمسدد أبي حنيفة، فهما من مشكاة واحدة قد خرجتا، فكلاهما ترجمان للوحي الذي عمت بركته سائر أقوال وأعمال وأحوال المكلفين ظاهرة كانت أو باطنة فلا تجد فيه ذلك التناقض والانفصام الذي تعاني منه بقية المناهج انتصارا للجماعة من الفرد أو العكس كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أنوار]ــــــــ[01 - 01 - 2010, 04:53 م]ـ

جزاكم الله خيراً .. وجعل هذا العلم في موازين حسناتكم ..

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 01 - 2010, 08:55 ص]ـ

وجزاكم خيرا على المرور والتعليق الكريم وجعله في موازين حسناتكم وشكر لكم صالح القول والعمل.

وعن تكامل القوتين العلمية والعملية يقول ابن تيمية رحمه الله:

"الخير والسعادة والكمال والصلاح منحصر في نوعين: في العلم النافع، والعمل الصالح. وقد بعث الله محمدا بأفضل ذلك، وهو الهدى ودين الحق كما قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا).

فالهدى: كمال العلم، ودين الحق: كمال العمل". اهـ

نقلا عن رسالة: "العلم والعمل" من كلام ابن تيمية رحمه الله: جمع وعناية الشيخ أبي الفضل عبد السلام بن عبد الكريم حفظه الله وسدده.

ويقول في "مجموع الفتاوى":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير