تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ مُوجِبًا لِحُبِّ الْمَعْلُومِ؛ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّفْسِ قُوَّةٌ أُخْرَى تُلَائِمُ الْمَعْلُومَ وَهَذِهِ الْقُوَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي النَّفْسِ. وَكُلٌّ مِنْ الْقُوَّتَيْنِ تَقْوَى بِالْأُخْرَى فَالْعِلْمُ يُقَوِّي الْعَمَلَ وَالْعَمَلُ يُقَوِّي الْعِلْمَ فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَقَلْبُهُ سَلِيمٌ أَحَبَّهُ؛ وَكُلَّمَا ازْدَادَ لَهُ مَعْرِفَةً ازْدَادَ حُبُّهُ لَهُ؛ وَكُلَّمَا ازْدَادَ حُبُّهُ لَهُ ازْدَادَ ذِكْرُهُ لَهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ فَإِنَّ قُوَّةَ الْحُبِّ تُوجِبُ كَثْرَةَ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ؛ كَمَا أَنَّ الْبُغْضَ يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ الْمُبْغِضِ فَمَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَحَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْخَيْرِ؛ وَعَنْ ذِكْرِ مَا يُوجِبُ الْمَحَبَّةَ فَيَضْعُفُ عِلْمُهُ بِهِ حَتَّى قَدْ يَنْسَاهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ". اهـ

وطرق الناس في تحصيل هذين الأصلين، كما يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى" ثلاثة طرق:

طريق شرعي هو: "النظر فيما جاء به الرسول، والاستدلال بأدلته والعمل بموجبها، فلا بد من علم بما جاء به، وعمل به، لا يكفي أحدهما".

و: طريق العلم: لا بد فيه من العلم النبوي الشرعي بحيث يكون معلومك: المعلومات الدينية النبوية، ويكون عملك مطابقا لما أخبرت به الرسل، وإلا فلا ينفعك أي معلوم علمته، ولا أي شيء اعتقدته فيما أخبرت به الرسل، بلا لا بد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وكذلك "الإرادة" لا بد فيها من تعيين "المراد" وهو الله، و "الطريق إليه"، وهو ما أمرت به الرسل. فلا بد أن تعبد الله، وتكون عبادتك إياه بما شرع على ألسنة رسله.

إذا لا بد من تصديق الرسول فيما أخبر علما، ولا بد من طاعته فيما أمر عملا، ولهذا كان الإيمان: "قولا وعملا مع موافقة السنة ......... فالأمور الخبرية لا بد أن تطابق علم الله وخبره والأمور العملية لا بد أن تطابق حب الله وأمره فهذا حكمه وذاك علمه". اهـ

فلا ينفع قول وعمل على خلاف منهاج النبوة، فلا طريق موصل إلى الله، عز وجل، إلا طريق الوحي المعصومة، وما عداه من طرق أهل النظر من الفلاسفة والمتكلمين، وطرق أهل الرياضة والذوق من المتصوفة والزاهدين، غير معصومة، فكيف يعدل عاقل عن الأولى إلى الثانية؟!. والسلامة كل السلامة في اتباع المعصوم بعد إثبات عصمته بالأدلة النقلية والعقلية المعتبرة.

وأما الطريقان المبتدعان فهما:

طريق أهل الزهد والإرادة الذين بنوا أمرهم على الإرادة ولا بد منها لكن بشرط أن تكون إرادة عبادة الله وحده بما أمر، لا أي إرادة ترد على قلب العبد فيستحسنها وإن لم يكن لها مستند شرعي، فكيف إذا كانت مناقضة للشرع ابتداء؟!

وطريق أهل الكلام والنظر الذين بنوا أمرهم على النظر المقتضي للعلم ولا بد منه لكن بشرط أن يكون علما بما أخبر به الرسول والنظر في الأدلة التي دل بها الرسول وهي آيات الله ولا بد من هذا وهذا.

بتصرف واسع من "مجموع الفتاوى".

ويقول في موضع آخر من "المجموع":

"وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ، (أي: العلم اللدني)، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ.

فَقَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ مُجَرَّدَ الزُّهْدِ وَتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ وَرِيَاضَةِ النَّفْسِ تُوجِبُ حُصُولَ الْعِلْمِ بِلَا سَبَبٍ آخَرَ.

وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: لَا أَثَرَ لِذَلِكَ بَلْ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ الْعِلْمُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعَقْلِيَّةِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير