تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أسباب الكون!. وهو أمر سهل على كل مريد للدنيا على غير رسم الديانة أن يستأثر بها إذ أصحاب الديانة قد امتثلوا أمر الشرع بقتل النفس قتلا بطيئا!، فخلت الساحة لمن أراد الإفساد والطغيان، وهو ما جرى بالفعل في زمن الرومان إذ أحدثوا ما أحدثوا في دين المسيح عليه السلام وفر الرهبان إلى الفلوات والخلوات مختارين أو مكرهين، فعثا أولئك في الأرض مفسدين، وهو أمر لا زالت آثاره كائنة إلى اليوم فكل سلطان جائر لا ينصب لهذا التيار السلبي المعطل العداء بل يمده بالعون المادي والمعنوي، فبه يتم تخديرالقوى، فلا تعرف ولا تنكر، ولا تأمر ولا تنهى، فذلك ليس لها، بل هو لأهل السياسة ولو كانت جائرة على غير رسم النبوة الخاتمة، ولعل التقارب الكائن الآن بين القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وشتى الطرق في العالم الإسلامي لا سيما مصر التي يبلغ عدد المنتسبين إلى الطرق فيها 16 مليون!، لعل ذلك شاهد عدل معاصر على ذلك.

يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:

"فهمت الكنيسة من قول المسيح: ((مملكتي ليست من هذا العالم)) إن كان قالها – إن الدنيا والآخرة ضرتان متناحرتان وضدان لا يجتمعان: الدنيا مملكة الشيطان ومحط الشرور والاثآم، وعمل الإنسان فيه لتحسين أوضاعه المعاشية ومحاولة تحقيق القسط الملائم من السعادة والرفاهية والتمتع بطيبات وخيرات الكون: كلها أعمال دنسه يمليها الشيطان ليصرف الإنسان عن مملكة المسيح الخالدة (الآخرة) والفقر وشظف العيش – حسب المفهوم الكنسي– هما مفتاح الملكوت الضامن، وتنسب الأناجيل إلى المسيح قوله ((إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله)). وبمقتضى ذلك لا يسأل الإنسان الله شيئاً من متاع الدنيا أو خيراتها العاجلة، بل يقتصر على ما طلبه المسيح حسب رواية الأناجيل (خبزنا كفانا).

والإنسان – حسب هذا المفهوم – يولد موصماً بالخطيئة الموروثة ويدخل إلى الدنيا دخول المجرم إلى السجن، وكما أن آباه أكل من الشجرة فعوقب بالطرد من الجنة وقضى عليه بالحرمان والنكد، فكذلك إذا تمتع بطيبات الدنيا وملاذها فسيعاقب بحرمانه من نعيم الملكوت.

إذا كان هذا هو حال الدنيا وحال الإنسان فيها ففيم العناء لإصلاح ما وجد بطبيعته فاسداً وما جدوى تقويم ما خلق أصله معوجاً؟ ليتحكم الجبابرة في الناس وليستعبدوهم وليعبثوا في الكون كما يريدون فسوف يحاسبهم المسيح يوم الدينونة! وليجمع الناس المال ويتمتعوا بالحياة الدنيا ويتزوجوا وينجبوا فسوف يحرمهم ذلك من الدخول في ملكوت الله والفوز في الملأ الأعلى. أما المسيحي الكامل لإيمان. فما له ولهذه الأمور. أليس كل همه الخلاص من هذا المأزق، مأزق وجوده في هذه الأرض في مملكة الشيطان؟ ".

ص69، 70.

وواقع المسيحي اليوم، لا سيما المسيحي الغربي سيد الكون الجديد بزعمه، شاهد عدل على ضد ذلك فهو لا يسعى إلا إلى تحصيل شهواته بل لا يبشر لدينه إلا باستغلال الأزمات الإنسانية فيسارع بشراء النفوس بالخبز والدواء، وربما كان الثمن أخس فاشترى الأتباع بشهوات محرمة، مخاطبا الغرائز ليدعو إلى ما يهذب الروح ويكملها، ولكل طريق فمن الناس من يكون الطريق إلى قلبه بطنه، ومنهم من يكون الطريق إليه فرجه، ومنهم من يكون الطريق إليه سمعه أو بصره كعشاق الصور المحرمة مرئية كانت أو مسموعة التي تسترق القلوب رقا يفوق رق الأبدان.

وقد أزالت عقيدة أهل السنة والجماعة إشكال الخطيئة، من جهات:

أولها: توبة الرب، تبارك وتعالى، على آدم عليه السلام، فألهمه الكلمات الشرعيات: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فـ: (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). فصار نزوله إلى دار التكليف: مصيبة كونية نافذة ليتحقق معنى الابتلاء بالاستخلاف فتظهر حكمة الرب، جل وعلا، في إرسال الرسل عليهم السلام وسن الأحكام الشرعية لمدافعة الأقدار الكونية، بعد أن ظهرت قدرته في خلق آدم وعصيانه القدر الشرعي تأويلا للقدر الكوني النافذ، والمصيبة بعد التوبة منها يصح الاحتجاج بالقدر عليها كما فعل آدم في حجاجه الكليمَ عليهما السلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير