تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وفي العزلة السلامة من التبذل لعوام الناس وحواشيهم والتصون عن ذلة الامتهان منهم، وأمان الملام عند الصديق، واستحداث الطراءة عند اللقاء، فإن كل موجود مملول وكل ممنوع مطلوب ............ وفي العزلة أنها تستر القلة وتكشف جلباب التجمل فلا يظهر على عورة إن كانت وراءه تسوء صديقا أو تشمت عدوا فإن التجمل من شيم الأحرار وشمائل ذوي الهمم والأخطار وقد وصف الله تعالى به الأبرار من عباده فقال تعالى ذكره: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) قال أنشدني الكراني قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب العتابي:

إن الكريم ليخفي عنك خلقته ******* حتى تراه غنيا وهو مجهود

وفي معناه لعلي بن الجهم:

ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ******* ولكن عارا أن يزول التجمل

قال: وفي العزلة أنها معينة لمن أراد نظرا في علم أو إثارة لدفين رأي واستنباطا لحكمة لأن شيئا منها لا يجيء إلا مع خلاء الذرع وفراغ القلب ومخالطة الناس ملهاة ومشغلة". اهـ

ويقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: هَلْ الْأَفْضَلُ لِلسَّالِكِ الْعُزْلَةُ أَوْ الْخُلْطَةُ؟ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا؟ إمَّا نِزَاعًا كُلِّيًّا وَإِمَّا حَالِيًّا. فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ الْخُلْطَةَ تَارَةً تَكُونُ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَطَةِ تَارَةً وَبِالِانْفِرَادِ تَارَةً. وَجِمَاعُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُخَالَطَةَ إنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي جِنْسِ الْعِبَادَاتِ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَاطُ بِهِمْ فِي الْحَجِّ وَفِي غَزْوِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ وَإِنْ كَانَ أَئِمَّةُ ذَلِكَ فُجَّارًا وَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْجَمَاعَاتِ فُجَّارٌ وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ الَّذِي يَزْدَادُ الْعَبْدُ بِهِ إيمَانًا: إمَّا لِانْتِفَاعِهِ بِهِ وَإِمَّا لِنَفْعِهِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَوْقَاتٍ يَنْفَرِدُ بِهَا بِنَفْسِهِ فِي دُعَائِهِ وَذِكْرِهِ وَصَلَاتِهِ وَتَفَكُّرِهِ وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَإِصْلَاحِ قَلْبِهِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَهَذِهِ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى انْفِرَادِهِ بِنَفْسِهِ؛ إمَّا فِي بَيْتِهِ، كَمَا قَالَ طاوس: نِعْمَ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ يَكُفُّ فِيهَا بَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، وَإِمَّا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ. فَاخْتِيَارُ الْمُخَالَطَةِ مُطْلَقًا خَطَأٌ وَاخْتِيَارُ الِانْفِرَادِ مُطْلَقًا خَطَأٌ. وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ هَذَا وَهَذَا وَمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَدَّم". اهـ

وقد جرهم تأليف قلوب المريدين إلى التفريط في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أمر غلب على المتأخرين منهم حتى أبطله بالكلية غلاة أهل الطريق من الاتحادية أصحاب مقالة: الفناء الوجودي.

ولسان مقال مقدمهم ابن عربي إمام الاتحادية:

"عقد الخلائق في الإله عقائد ******* وأنا أعتقدت جميع ما عقدوه".

ولا يتصور إنكار للمنكر بل للكفر الصراح ممن هذا منطوق لسانه فإنه يعتقد صحة كل الطرائق العلمية والعملية والزهدية ..... إلخ، وهو الذي صرح باعتناقه دين الحب بعد طول إنكار على المخالف أيام كان على رسم الظاهر ولما يبلغ الحقيقة التي لا يدركها إلا أهل الباطن الذين ترقوا في معاريج الكمال النفساني بصنوف الرياضات المحدثة، فلما بلغ ذلك المقام سوى، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، بين الإرادة الكونية والمحبة الشرعية، فكل ما أراده الله، عز وجل، كونا، وإن كان كفرا أو فسقا أو فجورا فهو له محب وبه راض إذ لا يستقبح العارف قبيحا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير