تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَنَا رَبُّك وَقَدْ حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت عَلَى غَيْرِك. قَالَ: فَقَلَتْ لَهُ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اخْسَأْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. قَالَ: فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ النُّورُ وَصَارَ ظُلْمَةً وَقَالَ يَا عَبْدَ الْقَادِرِ نَجَوْت مِنِّي بِفِقْهِك فِي دِينِك وَعِلْمِك وَبِمُنَازَلَاتِك فِي أَحْوَالِك. لَقَدْ فَتَنْت بِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَبْعِينَ رَجُلًا. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ عَلِمْت أَنَّهُ الشَّيْطَانُ؟ قَالَ بِقَوْلِهِ لِي: حَلَلْت لَك مَا حَرَّمْت عَلَى غَيْرِك، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْسَخُ وَلَا تُبَدَّلُ وَلِأَنَّهُ قَالَ أَنَا رَبُّك وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ أَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا أَنَا". اهـ

فلو لم يكن كل من أبي ميسرة والشيخ عبد القادر، رحمهما الله، محكِّمان للشرع فيما رأيا ما عرفا أن ذلك الذي أتاهما شيطان، ولأخبر كل منهما الناس أن ما جرى له كرامة، ولوجد من العامة من يصدقه وينتصر له، ويرمي من يعترض عليه بأنه محروم، لا يحب أولياء الله وينكر الكرامات. فليس أضر على الناس من الجهل، وقلة الفقه في الدين.

والشاهد أنه قد غلبت القوةُ العملية القوةَ العلمية عندهم في مضاهاة لحال من ضل من رهبان النصارى الذين فرطوا في جانب العلم فليس عندهم من جنس العلوم الصحيحة إلا آثار دارسة من نبوة المسيح عليه السلام، وعندهم في المقابل قوة عملية كبيرة فهم أصحاب زهد ورياضات بلا علوم ترشد تلك القوى لتسير على منهاج النبوات.

وقد تولد من ذلك الجفاء للعلم المنقول: استحداث مصادر جديدة للتلقي، كالمنامات والكشوف ..... إلخ، وذلك أيضا مما ضاهوا به النصارى الذين توسعوا في باب النسخ حتى صار ذلك لرهبانهم الذين أحلوا ما شاءوا وحرموا ما شاءوا استنادا إلى رؤى منامية!، في صورة من أبرز صور الطغيان البشري بالتعدي على مقام الربوبية التشريعي. كما في حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه، وفيه: "أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟ "قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ".

يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:

"وكان من الأسس الباطلة التي بنى عليها رجال الدين مبررات وجودهم مبدأ "التوسط بين الله والخلق" الذي يقتضي ألا يذهب الإنسان إلى رجل الدين ليعلمه كيف يعبد الله طالباً الصفح والمغفرة، بل عليه أن يتجه إلى رجل الدين معترفاً أمامه بذنبه ليقوم بالتوسط لدى الله فيغفر له، وحسب هذا المبدأ نصب رجال الدين أنفسهم أنداداً لله تعالى وأوقعوا أتباعهم في الشرك الأكبر: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) وفوق كونه مبدأ باطلاً شرعاً، ساقطاً عقلاً، فإنه ليس في الأناجيل – رغم تحريفها – ما يدل على أن المسيح أقره أو دعا إليه". اهـ

"العلمانية"، ص80.

وقد انتقل ذلك الطغيان إلى شيوخ المتأخرين من أهل الطريق الذين أباحوا لأنفسهم من استحداث الرسوم التعبدية وإلزام الأتباع بها ما صيرهم على حد رهبان النصاري في الابتداع في الديانة بلا وازع من علم صحيح فهم من أزهد الناس فيه، وذلك كما تقدم، مما يلزم منه استحداث مصادر جديدة للتلقي تضاهي المصادر الشرعية المعتبرة، كالمنامات والإسراءات على حد قول الشعراني: "قد صرح المحققون بأن للأولياء الإسراء الروحاني إلى السماء، بمثابة المنام يراه الإنسان، ولكل منهم مقام معلوم لا يتعداه، وذلك حين يكشف له حجاب المعرفة، فكل مكان كشف له فيه الحجاب حصل المقصود به، فمنهم من يحصل له ذلك بين السماء والأرض، ومنهم من يحصل له ذلك في سماء الدنيا، ومنهم من ترقى روحه إلى سدرة المنتهى إلى الكرسي إلى العرش". اهـ

وقول إبراهيم الدسوقي: "أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي كلمته". اهـ

وقول ابن عربي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير