تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 01 - 2010, 02:56 م]ـ

فلسفة الأخلاق عند المعتزلة:

وقد أقام المعتزلة بنيان مقالتهم وما تفرع عنها من أمور الأخلاق والسلوك على قياس التمثيل في باب الأفعال الإلهية فهم ونفاة تعليل أفعال الله، عز وجل، بالحكمة على طرفي نقيض:

فالمعتزلة يقيسون أفعال الرب، جل وعلا، على أفعال العباد، دون نظر إلى القدر الفارق بين الخالق، عز وجل، والمخلوق، فما يحسن من العبد يحسن من الرب، جل وعلا، وما يقبح منه يقبح منه مطلقا، فهم، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: "مشبهة الأفعال"، كما أن الممثلة: "مشبهة الذات والصفات"، والأفعال إنما تصدر عن الصفات، فكمالها من كمالها، ونقصانها من نقصانها، فقياس أفعال الرب، جل وعلا، على أفعال العبد: قياس مع الفارق من أوجه، منها:

أن الأفعال فرع عن الذات القائمة بها، فقياس أفعال الرب، جل وعلا، على أفعال العبد يؤول إلى قياس ذاته القدسية الكاملة على ذات العبد الناقصة لمجرد الاشتراك المعنوي بين الذاتين في معنى: "الذات" الكلي، وهو معنى لا يوجد في الخارج، فلا يلزم من تصوره تشبيه ذات بذات، أو فعل بفعل، بل غايته ألا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه، إذ لا حقيقة له في الخارج فهو أمر يتصوره الذهن ويقدره بتجريد الكليات المعنوية، فيمتنع وجودها في الخارج إذ لا توجد في الخارج إلا مقيدة بعين تقوم بها قيام الوصف بموصوفه، فيمتنع وجود ذات مطلقة في الخارج، وإنما يوجد في الخارج: ذات عمرو وذات بكر ...... إلخ، وهي تشترك في قدر كلي هو: "الذاتية" لا يمكن تجريده إلا في الذهن فلا ذاتية مجردة خارجه، فلا يلزم من قول من أثبت الصفات تشبيه على هذا الوجه كما ألزم نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة من أثبت الصفات من أهل السنة ومتكلمة الصفاتية، إذ المثبت إنما يثبت القدر الكلي المشترك الذي يدل على معنى الصفة مجردا في الذهن، فلا يثبت تماثلا أو تشابها في الخارج ليصح إلزامه بالتشبيه، فالمشبه إنما يكون مشبها إذا أثبت كيفية أو حقيقة في الخارج يمكن إدراكها بالحس الظاهر، والله، عز وجل، لا يدرك في دار الابتلاء بحس ظاهر، بل ذلك إنما يكون في دار النعيم فيراه أهل الجنة بأبصارهم: رؤية عينية بلا إحاطة، فقد، جل عن أن تحيط به الأبصار في الخارج أو تحده الأفكار في الأذهان، فلا يحيط بعلمه إلا هو، ولا يحيط بكماله إلا هو، فلا يكون مشبها من أثبت المعنى الكلي المجرد في الذهن، وذلك أمر يلزم المعتزلة في قولهم في أفعال الله، عز وجل، إذ قاسوها قياس تمثيل يلزم منه وقوع التشابه في الخارج، فكل ما يحسن من الأصل وهو المخلوق يحسن من الفرع وهو الخالق، دون نظر، كما تقدم، إلى القدر الفارق بين ذات الخالق، عز وجل، وذات المخلوق، فوقعوا فيما ألزموا به أهل الإثبات في باب الصفات، إذ غلوا في إثبات القدر المشترك حتى جعلوه خارج الذهن، وجفوا في القدر الفارق بين أفعال الرب، جل وعلا، وأفعال عباده فنفوه فصح عندهم قياس أفعال الرب، جل وعلا، على أفعال العباد: قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، وذلك مما يناقض صريح المعقول الذي انتحلوه كذبا وزورا، إذ فيه التسوية بين متباينين، بل بين أعظم متباينين: الخالق عز وجل المتصف بكل كمال مطلق أزلا وأبدا، والمخلوق الذي يعتريه من عوارض النقصان الجبلي والطبعي ما يعتريه، فإذا ثبت الاختلاف بين الذاتين بداهة، فلا عاقل يسوي بين ذات الخالق وذات المخلوق، إذا ثبت هذا الاختلاف مع اتحادهما في معنى الذاتية الكلي، ثبت الاختلاف بين ما يقوم بكليهما من الصفات التي تشترك، أيضا، في المعاني الكلية المشتركة، فليس الفعل كالفعل لمجرد الاشتراك في اللفظ الدال عليه، والمعنى الكلي له في الذهن، بل الحقائق تتباين في الخارج بتباين الأعيان التي تقوم بها فحقيقة كرم زيد تباين حقيقة كرم عمرو تبعا لتباين ذاتيهما، فإذا ثبت هذا في حق مخلوقين في عالم الشهادة، فثبوته بين حقيقة فعل الرب، جل وعلا، وفعل العبد، كائن من باب أولى، فحقيقة فعل الرب، جل وعلا، تباين حقيقة فعل العبد للتباين بين ذاتيهما كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "الرد على المنطقيين":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير