تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وأما قياس الأولى الذي كان يسلكه السلف اتباعا للقرآن فيدل على أنه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتا لغيره مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين المخلوق بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا يحصر قدره وهو يعلم أن فضل الله على كل مخلوق أعظم من فضل مخلوق على مخلوق كان هذا مما يبين له أن ما يثبت للرب أعظم مما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره فكأن قياس الأولى يفيده". اهـ

ومنها أيضا: أن الأفعال إنما تصدر عن الأوصاف، فكمال الفعل من كمال الوصف، ونقصانه من نقصانه، وذلك، أيضا، مما يباين فيه الخالق، عز وجل، المخلوق، فالرب، جل وعلا، قد ثبت له الكمال أزلا، فلم يكن معطلا عن وصف كمال ثم اكتسبه، فكمال فعله فرع عن كمال وصفه، بخلاف العبد الذي يوجد من العدم، فيكون ضعيفا فيقوى، على حد قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، ويكون جاهلا فيتعلم، على حد قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فيطرأ عليه الكمال بمباشرة الفعل كما يقع لأرباب الصناعات المحسوسة أو المعقولة، فإن الطالب لها يبدأ ناقصا لا يعلم شيئا، ثم يكتسب الكمال شيئا فشيئا بمباشرة أسبابها كمن يتعلم بابا في العلم، فإنه لا يتقنه دون سؤال واستفسار، وحفظ واستظهار فيكتسب من ذلك: الكمال إذ صار عالما به بعد أن كان جاهلا، فكماله من فعله بمباشرة الأسباب، خلاف كمال الباري، عز وجل، فهو، كما تقدم، كمال ذاتي أزلي أبدي، فقياس أفعال من له الكمال الأزلي على أفعال من نقصه جبلي قياس مع الفارق فهو فاسد من الاعتبار من هذا الوجه فضلا عن كونه قياس غائب لم تره العيون ولم تدركه العقول لتقيس ذاته أو وصفه أو فعله على ذات أو وصف أو فعل الشاهد.

وأما نفاة تعليل أحكام الله، عز وجل، بالحكمة فهم على النقيض، يبالغون في النفي حتى أنهم قد نفوا أي يكون لفعل الرب، جل وعلا، حكمة، فيفعل لمجرد المشيئة، بزعم أن أفعال الله، عز وجل، لا تعلل بالأغراض، إذ الأغراض مظنة الافتقار، والصحيح أن أفعال الرب، جل وعلا، تعلل بحكم بالغة، فلا يفتقر، تبارك وتعالى، إلى ما يتولد منها من المصالح، فذلك إنما يفتقر إليه المخلوق فهو ينعم بآثار فعل الرب، جل وعلا، من بعث للأنبياء عليهم السلام، وتيسير للأرزاق ........... إلخ، فأولئك بالغوا في الإثبات حتى أثبتوا حكمة تضاهي حكمة البشر، وهؤلاء بالغوا في النفي حتى جردوا فعل الرب، جل وعلا، من الحكمة، والصحيح أن الرب، جل وعلا، يفعل بحكمة بالغة وقدرة نافذة ففعله يصدر من كمال وصف جماله فهو الحكيم، وكمال وصف جلاله فهو القدير.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "منهاج السنة":

"وأصل أولئك، (أي: المعتزلة)، في أنه يجب على الله أن يفعل بكل مكلف ما هو الأصلح له في دينه ودنياه وهو أصل فاسد وإن كان الرب تعالى بحكمته ورحمته يفعل بحكمة لخلقه ما يصلحهم في دينهم ودنياهم.

والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال:

فالقدرية يقولون يجب على الله رعاية الأصلح أو الصلاح في كل شخص معين ويجعلون ذلك الواجب من جنس ما يجب على الإنسان فغلطوا حيث شبهوا الله بالواحد من الناس فيما يجب عليه ويحرم عليه وكانوا هم مشبهة الأفعال فغلطوا من حيث لم يفرقوا بين المصلحة العامة الكلية وبين مصلحة آحاد الناس التي قد تكون مستلزمة لفساد عام ومضاده لصلاح عام

والقدرية المجبرة الجهمية لا يثبتون له حكمة ولا رحمة بل عندهم يفعل بمشيئة محضة لا لها حكمة ولا رحمة والجهم بن صفوان رأس هؤلاء كان يخرج إلى المبتلين من الجذمى وغيرهم فيقول أرحم الراحمين يفعل هذا يريد أنه ليس له رحمة

فهؤلاء وأولئك في طرفين متقابلين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير