تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثالث قول الجمهور إن الله عليم حكيم رحيم قائم بالقسط وإنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها كما نطقت بذلك نصوص الكتاب والسنة وكما يشهد به الاعتبار حسا وعقلا وذلك واقع منه بحكمته ورحمته وبحكم أنه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم لا بأن الخلق يوجبون عليه ويحرمون ولا بأنه يشبه المخلوق فيما يجب ويحرم بل كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل وليس لمخلوق عليه حق إلا ما أحقه هو على نفسه المقدسة كقوله: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، وقوله: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وذلك بحكم وعده وصدقه في خبره وهذا متفق عليه بين المسلمين وبحكم كتابه على نفسه وحكمته ورحمته". اهـ

ويقول، رحمه الله، في "اقتضاء الصراط المستقيم"، في معرض نقد مقالة الإيجاب على الله، عز وجل، التي جعلها المعتزلة متكئا لمقالة وجوب الصلاح والأصلح:

"وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول، وصريح المعقول. وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئاً؛ ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال: إنه كتب على نفسه الرحمة وحرم الظلم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئاً كما يكون للمخلوق على المخلوق. فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم بالإيمان والعمل الصالح، ومن توهم من القدرية والمعتزلة، ونحوهم: أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على المستأجر، فهو جاهل في ذلك. وإذا كان كذلك لم تكن الوسيلة إليه إلا بما مَنَّ به من فضله وإحسانه، والحق الذي لعباده: هو من فضله وإحسانه ليس من باب المعاوضة، ولا من باب ما أوجبه غيره عليه، فإنه سبحانه يتعالى عن ذلك". اهـ

وهذا أصل جليل من أصول الأدب مع الله، عز وجل، بمطالعة آلائه فهو الذي أنعم فضلا ولو شاء لمنع عدلا.

وقد تفرع عن ذلك أيضا: خلاف المعتزلة من جهة، ونفاة التعليل من جهة أخرى، في مسألة التحسين والتقبيح، فإن المعتزلة يقولون بأن العقل قادر على ذلك فيعلم علما كاملا مفصلا الحسن والقبيح، وعليه يصح تكليفه بفعل الحسن وترك القبيح قبل ورود الشرائع، فالفعل يدرك حسنه وقبحه لذاته أو لصفة حقيقية فيه.

وقد فرق القاضي عبد الجبار المعتزلي بين القبيح لذاته كالظلم والكذب والقبيح باعتبار صفة فيه تتفاوت الأنظار في تقديرها كتفاوتها في تحسين أو تقبيح صورة، فإن بعض العقول قد تستحسنها لملائمة بينهما، وبعضها قد يستقبحها لمنافرة بينهما فالأمر يخضع لحس الناظر وذوقه.

يقول الغزالي، رحمه الله، في "المستصفى":

"ذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَنْقَسِمُ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ:

فَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَحُسْنِ إنْقَاذِ الْغَرْقَى وَالْهَلْكَى وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَمَعْرِفَةِ حُسْنِ الصِّدْقِ وَكَقُبْحِ الْكُفْرَانِ وَإِيلَامِ الْبَرِيءِ وَالْكَذِبِ الَّذِي لَا غَرَضَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِنَظَرِ الْعَقْلِ كَحُسْنِ الصِّدْقِ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ وَقُبْحُ الْكَذِبِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ، وَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ كَحُسْنِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَزَعَمُوا أَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ بِصِفَةِ ذَاتِهَا عَنْ غَيْرِهَا بِمَا فِيهَا مِنْ اللُّطْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَحْشَاءِ الدَّاعِي إلَى الطَّاعَةِ لَكِنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرَكِهِ". اهـ

لمزيد بيان لهذه المسألة يمكن الاطلاع على مبحث: "وسطية أهل السنة بين المهملين للعقل والمقدسين له و: "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" في "علم التوحيد: مبادئ ومقدمات"، للشيخ الدكتور أبي عبد الله محمد بن يسري، ص220_225.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير