تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكتب الزهد سواء أكانت مستقلة ككتب الزهد لأحمد والبيهقي .... إلخ وكتب ابن أبي الدنيا والخرائطي أم كانت ضمن مصنفات كأبواب الزهد في كتب أصول الرواية دليل على مدى اعتناء المتقدمين بتدوين أخباره وآثاره فضلا عن إفراد المتأخرين له بالتصنيف في موسوعات كاملة بسط أصحابها القول في دقائق النفوس والأخلاق ولعل من أبرز من كتب في ذلك: ابن حزم، رحمه الله، وله رسائل في مداواة النفوس والألفة بينها تشهد بحذقه لدقائق هذا الباب اللطيف، والغزالي، رحمه الله، صاحب موسوعة: "إحياء علوم الدين"، وقد تعرض فيها في باب المنجيات والمهلكات إلى مسالك أخلاقية دقيقة، وابن القيم، رحمه الله، صاحب التقريرات النفسانية البارعة فكتبه قد جمعت المادة الشرعية العلمية والمادة الأخلاقية العملية على نحو لا يرى في أدبيات الفلاسفة التجريدية.

وتعريف المتقدمين للفقه قبل استقرار المصطلحات العلمية المتأخرة يشهد بأن الجانب الأخلاقي الذي يتعلق بمآلات الأفعال دون الاقتصار على ظواهرها التي تتعلق بها الأحكام القضائية، تشهد بأنه كان مقدما فهو مرتبة سامية يباشر فيها العبد جنس عبودية الإحسان بمراقبة الرب، جل وعلا، في السر والعلن.

والنبوة قد فارقت الفلسفة في هذا الباب مفارقتها إياها في كل أبواب الديانة، فإن النبوة تقدم الدواء بلا فلسفة!، فالنبي بقدم أجناسا نافعة من الدواء لكل الآفات العلمية والعملية والسلوكية والسياسية، فخبره أصدق الأخبار، وحكمه أعدل الأحكام، وأخلاقه أكمل الأخلاق، بخلاف الفيلسوف الذي يقدم رؤية تشخيصية مفصلة دون أن يشفعها بالدواء، إذ لا يتلقى هذا الدواء إلا من النبوات مادة صلاح الأديان والأبدان والأفراد والجماعات والأخلاق والسياسات، فهي مادة صلاح عامة لكل باب تطرقت إليه فلا تقرير عقلي، أيا كان ذكاء صاحبه، يرقى لتقريراتها، فهي مؤيدة بالعصمة، بخلاف العقل الذي لا يستغني عن شمس الرسالة التي تبدد ظلماته.

ولذلك لم يكن على الأنبياء عليهم السلام أن يبينوا وجه المصلحة في أحكامهم، بل لو ذكروها فزيادة ثقة مؤيد بالوحي، فتقبل قبول الأصل، لمكان العصمة، فالاشتغال بتقرير دلائل النبوة أنفع من الاشتغال بالبحث والتنقير عن علل أحكامها على حد التكلف لا التفهم الذي كان عليه المجتهدون في القرون الفاضلة.

والمفهوم الأخلاقي يظهر جليا في العقوبات والتعزيرات، مع كونها مظنة الإهانة لمن تقع عليه، إذ فيها من معاني الابتلاء ما يقع به التطهير، فالعقوبة تحفظ حق الجماعة من عدوان الأفراد، وتحفظ حق الفرد من عدوان نفسه وطغيانها إن لم تجد وازعا يزعها. وتأمل حديث ماعز، رضي الله عنه، وقد كان الابتلاء بإقامة الحد عليه صورة من أعظم صور التربية الأخلاقية الراشدة التي نشأ عليها الصدر الأول، رضي الله عنهم، وتأمل حال المخزومية وقد كان الحد لها خيرا باعتبار المآل فلولاه لتمادت في عدوانها على الحقوق فاستحقت الهلاك، فجاء الحد كفارة بالنظر إلى الجانب الأخروي، وهو جانب تغض الشرائع الأرضية الطرف عنه، وزاجرا عما قد يقع بعد ذلك من صور العدوان على الحقوق فهو ينظر بعين الاعتبار لكلا الجانبين: الفردي بتهذيبه وتطهيره، والجماعي بحفظ حقوق الأفراد المادية.

بل إن علما كعلم أصول الفقه، وهو علم يغلب الجانب العقلي، يعنى بتقرير الجانب الأخلاقي، فيحد الأحكام التكليفية بثمارها ترغيبا وترهيبا، ويعنى باستنباط علل الأحكام إرادة بيان وجه المصلحة فيها وغالبا ما تكون المصلحة في تشريع الأحكام العملية: مصلحة أخلاقية تعود بالنفع على الفرد والجماعة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 08:31 ص]ـ

ومن الأفكار الكلية التي تناولتها هذه الفوائد:

الإسلام قوة فكرية عملية، فليس قوة فكرية نظرية مجردة، ولقد أفرط قوم في التنظير والتجريد فجاءوا بمثل ونظم لا تلائم ما أقام الله، عز وجل، عليه الكون من السنن المحكمة، وأفرط قوم في العمل بلا هدى علمي سابق فوقع فيهم من الإفساد في الأديان والأبدان ما وقع، إذ لم يكن التصور سليما على منهاج النبوات ليولد عملا صالحا تعمر به الأديان والأبدان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير