تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولهذا كانت الرسل صلوات الله عليهم وسلامه يأمرون بالغايات المطلوبة من الإيمان بالله ورسوله وتقواه ويذكرون من طرق ذلك وأسبابه ما هو أقوى وأنفع وأما أهل البدع المخالفون لهم فبالعكس يأمرون بالبدايات والأوائل ويذكرون من ذلك ما هو أضعف وأضر فمتبع الأنبياء لا يضل ولا يشقى ومتبع هؤلاء ضال شقي إذ كانت قضايا هؤلاء فيها من الباطل الذي هو كذب وإفك وإن لم يعلم صاحبه أنه كذب وإفك بل يظنه صدقا ما لا يحصيه إلا الله.

وإذا كان الناس يتنوعون في الوجوب وترتيب الواجبات ويتنوعون في الحصول وترتيب الحاصلات لم يمكن أن يجعل ما يخص بعضهم شاملا لجميعهم وكثير من الغلط في هذا الباب إنما دخل من هذا الوجه: يصف أحدهم طريق طائفة ثم يجعله عاما كليا ومن لم يسلكه كان ضالا عنده ثم ذلك الطريق إما أن يكون خطأ وإما أن يكون صوابا ولكن ثم طرق أخرى غير ذلك الطريق فيجيء من سلك غير ذلك الطريق: يبطله بالكلية ويرد ما فيه من الصواب". اهـ

فطرائق الفلاسفة: طرائق دقيقة المسالك، قليلة المنافع، لا تلائم عقول غالب المكلفين، فلا تصلح لتقرير الإلهيات التي لا تقوم الحجة فيها إلا ببيان صحيح النقل صريح العقل، ومن لوازم العقل الصريح: تصور المعلوم تصورا عاما يشترك في أصله جماهير العقلاء، وإن امتازوا في فروعه، والفلاسفة قد وعروا الطريق إلى إدراك الأصول الجامعة بما قرروه من أقيسة عقلية فاسدة.

فتعميم تلك الطرائق المعقدة لتكون هي القانون العقلي المطرد: حيف وجناية على العقل بتوعير طرق المعرفة عليه، فضلا عما يعترضه فيها من عقبات إذ لم تسلم تلك الطرائق من تناقضات أتت على أصل النبوات بالإبطال، فصارت النبوة في حد، والفلسفة في حد آخر، فالجمع بينهما، كما رام ذلك أمثال ابن سينا وابن رشد، جمع بين المتناقضات فلا وجود له في الحقيقة، وإنما يفرضه العقل كما يفرض سائر المحالات الذاتية.

ويقول في "اقتضاء الصراط المستقيم":

"ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم السلام، أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم، وينهونهم عما فيه فسادهم، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة، فإن ذلك كثير التعب، قليل الفائدة، أو موجب للضرر.

ومثال النبي صلى الله عليه وسلم مثل طبيب دخل على مريض، فرأى مرضه فعلمه، فقال له: اشرب كذا، واجتنب كذا. ففعل ذلك، فحصل غرضه من الشفاء. والمتفلسف قد يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض، وصفته، وذمه وذم ما أوجبه. ولو قال له المريض: فما الذي يشفيني منه؟ لم يكن له بذلك علم تام.

والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه، بحيث تختطف عقله فيتأله، إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين. ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال، فلا منفعة فيه، أو أنه وإن أثر فضرره أكثر من نفعه". اهـ

وقل مثل ذلك في العلوم الطبيعية، فإن علم الطب: أشرف العلوم الطبيعية، إذ متعلقه: أشرف الكائنات الأرضية، ولكنه، مع ذلك، لا يراد لذاته، وإنما يراد ليستعان به على حفظ الأبدان بمباشرة ما سن الله، عز وجل، في الكون، من السنن الكونية التأثيرية، فأودع قوى الشفاء المذهبة للآلام والأوجاع في أجناس من الدواء، فلكل داء واقع دواء رافع لأثره مذهب لوجعه، فالبحث في تشريح البدن ووظائف أعضائه، وتفاعلاته الكيميائية الحيوية ............ إلخ، بحث نافع ماتع، ولكنه لا يراد لذاته، بل يراد لغاية شرعية حميدة، إذ به يحمد الرب، جل وعلا، بأوصاف جماله من علم تقديري للأعيان وأحوالها، وقدرة على إخراج ذلك المقدور الأزلي في عالم الشهادة الوجودي وفق ما قدر بلا زيادة أو نقصان، وإتقان في الصنعة يعرفه الدارسون لعلم وظائف الأعضاء: "الفسيولوجي" الذي يعنى بدراسة ميكانيكية الأعضاء، وحكمة في تسيير مقادير الأبدان على الوجه الذي به قيامها وحفظها، فخلقها، عز وجل، وأعدها لقبول أسباب النماء والبقاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير