تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذلك المبتدع: متوعد لنقص إيمانه الواجب، إن لم تكن بدعته مكفرة يكفر منتحلها بإقامة الحجة وإزالة الشبهة أو يكفر بمجرد انتحالها لمضادتها معلوما من الدين بالضرورة كبدع الباطنية والحلول والاتحاد، وهذا حكم الظاهر في دار الابتلاء، والله أعلم بالخواتيم والبواطن فهي متعلق الحكم في دار الجزاء فليس لنا إلا الظاهر فهو متعلق الأسماء والأحكام في دار الابتلاء.

فكلاهما متوعد، وكلاهما ناقص الإيمان الواجب، ولكن الفاجر أحسن حالا من المبتدع إذ يباشر العمل الفاسد لشهوة غلبته فهو مقر بتحريمه، وتلك، كما قال ابن تيمية رحمه الله، حسنة في أصل الاعتقاد قد حرمها المبتدع الذي ينتحل فاسد القول ويباشر فاسد العمل برسم الديانة فيتقرب إلى الله، عز وجل، بعين ما يبعده عنه، ويستجلب مرضاته بعين ما يسخطه!.

وتأمل حال الفلاسفة وأهل الطريق الذين غلوا في باب المحبة، فأباحوا بل أمروا بعشق الصور الجميلة طلبا لتهذيب النفوس ورياضتها!، فاستعملوا مادة فساد القلب في إصلاحه!.

ولا يكون ذلك إلا فرعا عن فساد عظيم في التصور، إذ أولئك من أجهل وأزهد الناس في علوم النبوات فقد جوزوا اكتساب الكمالات العلمية والعملية بدون السير على منهاج الشرعة النبوية. وهو فرع عن جهلهم المركب بمنزلة العمل من العلم، فالعلم: علة فاعلية يتوصل بها إلى العلة الغائية: العمل، فهو السبب والعمل نتيجته، وهذا الأليق بالمعقول والمحسوس فلا يقدم عاقل على عمل إلا بعد تمام تصوره، سواء أكان صحيحا أم فاسدا، فلا ينفك عن نوع تصور علمي سابق، فالعلم سابق العمل إذ هو، كما تقدم، سببه، فجعل أولئك العلم المجرد: غاية، وجعلوا العمل، مراد الرب، جل وعلا من عباده تصديقا لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، جعلوه: وسيلة إلى تزكية النفس ورياضتها لتصل إلى مرتبة يتلقى فيها الزاهد أو الفيلسوف العلم بلا معلم، وليتهم استعملوا أعمالا نافعة لعلها تحدث في القلب أثرا نافعا يصحح تصورهم العلمي الفاسد، بل ذلك لا يكون بداهة لفساد علومهم بإعراضهم عن علوم الوحي والنبوة النقلية طمعا في علوم الكشف والذوق الإلهامية، فمن أين لهم مادة الصلاح العلمي أو العملي، وقد أعرضوا عن الرسالات: معدن العلوم النافعة والأعمال الصالحة؟!، فجاء تصورهم العلمي الأول على حد الفساد، وجاء عملهم الذي توسلوا به إلى كمال النفس: على ذات الحد من الفساد فصار السماع وعشق الصور دينا تهذب به القوى العملية لترتقي النفس في معاريج الكمالات العلمية!.

وحججهم عند التحقيق من جنس حجج المتسكعين أمام مدارس البنات طلبا لصورة جميلة تسكن إليها النفس، ولو كانت محرمة!، ومن جنس حجج بعض المعاصرين من أبناء المدرسة العقلانية الذين راموا الجمع بين الواقع المؤلم والشرع المنزل، فجعلوا النظر إلى المتبرجات، وقد صرن بلوى لا يسلم منها إلا من حرم نعمة البصر!، جعلوه ديانة لمن نظر متأملا في جمال الصور الظاهرة، ولو لم تكن مباحة، وذلك، أيضا، ملمح من تأثر صاحب هذه المقالة بمقالات غلاة الفقراء من أهل الطريق وفضائحهم قد سطرت في كتب مناقبهم، ولا يعدو هذا القول كونه محاولة فاشلة للتأقلم مع الواقع، فإن كن بلاء لا مفر من الإصابة به، فلتكن الإصابة برسم الشرع، على حد: "إن الله جميل يحبّ الجمال"!.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان ضلال فئام من الناس في هذا الباب:

"قد يقولون: كل مصنوع الرب جميل، لقوله: (الذي أحسن كل شئ خلقه) فنحب كل شيء وقد يستدلون بقول بعض المشايخ: المحبة نار تحرق في القلب كل ما سوى مراد المحبوب والمخلوقات كلها مراده وهو لا يقوله قائلهم، (وهذا خلط صريح بين الإرادة الكونية التي تعم المحبوب والمكروه والإرادة الشرعية التي تقتصر على المحبوب فقط، فجعلوا الإرادة واحدة: فكلها شرعية محبوبة، ولو كان الفعل عين المنهي عنه). فصرح بإطلاق الجمال وأقل ما يصيب هؤلاء أنهم يتركون الغيرة لله والنهي عن المنكر والبغض في الله والجهاد في سبيله وإقامة حدوده وهم في ذلك متناقضون إذ لا يتمكنون من الرضا بكل موجود فإن المنكرات هي أمور مضرة لهم ولغيرهم، (فلا يجيزون لمن ضربهم أو سرقهم أن يحتج بالقدر مع أنهم ينتهكون حق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير