تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فساد التصور في اختيار الزوج أو الزوجة، فإن تحصيل اللذة، كما تقدم، قاسم مشترك أكبر بين كل العقلاء، ومن أعظم اللذات الحسية: لذة المنكح، وهي مع ذلك لا تخلو من لذة معنوية إذ بها اكتمال الجانب الآخر من النفس، فجلال الرجال يكمله جمال النساء، وشدة الرجال، أو هكذا يفترض!، تخلط بلين النساء، فتعتدل الأخلاق وتسكن النفوس على حد قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فتلك من أدلة العناية الربانية بالنوع الإنساني، فبالأنثى يكتمل نقص الذكر، وبالذكر يكتمل نقص الأنثى، فتظهر آثار قدرة الرب، جل وعلا، في خلق النوعين، على حد قوله تعالى في معرض بيان طلاقة القدرة الربانية: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى)، فنطفة الزوج هي التي يكون منها جنس المولود بإذن الرب المعبود جل وعلا. وتظهر آثار حكمته في بيان معنى اسمه الغني فلا يفتقر كالعبد إلى الصاحبة والولد.

والشاهد أن مقهوم اللذة كمفهوم الجمال: مفهوم كلي تشترك النفوس في أصله وتفترق في تحصيله، فلكل زوج تصور يختار بموجبه شريكة حياته، فتتباين الزيجات في المآل تبعا لصحة أو فساد التصور في الحال، فمن قدم اللذة العاجلة، وإن كانت أمرا جبليا لا يخلو منه رجل أو امرأة فالتكليف بإهماله تكليف بما لا يطاق، من قدم اللذة العاجلة على اللذة الآجلة من رضا الرب، جل وعلا، بنكاح ذات الدين، وإن لم تكن على ذات القدر من الجمال الذي وهبته كثير من ذوات الدنيا وإن كان الجمع بين الحسنيين جائزا بل واقعا في كثير من الأحيان وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن استقرار الأحوال إذ شؤم المعصية العاجلة بمخالفة شرع الرب، جل وعلا، في الخطبة والنكاح ........ إلخ، مما نراه الآن في كثير من الزيجات، يظهر لاحقا فتفسد كثير من الزيجات، ويعكر صفو كثير من الحيوات، ويتساءل كثير من الأزواج عن سر ذلك الشؤم الذي حل به بعد زواجه وقد كان يمني نفسه بحياة زوجية هانئة مع أنه لم يحصل أسباب ذلك في الاختيار، وتحصيل المسببَّات بلا مباشرة أسبابها غير جار على سنن الحكمة الربانية، فقد أقام الرب، جل وعلا، الكون والشرع على أسباب يتوسل بها إلى وقوع مسبَّباتها.

وقد حكي لي أحد الفضلاء على زميل له أراد الزواج، فَدُلَّ على بيت فاضل، فإذا به يتردد، وذلك أمر وارد، ثم يعرض، وذلك أيضا أمر وارد لا إشكال فيه فإن القلوب بيد مقلبها، والأرواح بيد خالقها، عز وجل، الذي فطرها على التآلف والتناكر، فكثيرا ما يكون الطرفان على قدر من الديانة والفضل ولا يحصل التوافق، ولكن الإشكال في التصور الأول الذي رد به ذلك الزميل تلك الزيجة، وهو ما ظهر لاحقا، إذ قال لي ذلك الحاكي الفاضل عن رؤيته لذلك الزميل بعد ذلك يسير مع امرأة متبرجة، قدمها له بوصف مخطوبته، وهو وصف تستحل به من المحارم في زماننا ما الله به عليم، حتى تكاد المخطوبة تصير زوجة!، فخلوة ونزهة ......... إلخ، فعدل ذلك الزميل لخلل في التصور الأول عن بيت هو مظنة البركة الآجلة ولن يخلو من لذة النكاح العاجلة، إلى لذة عاجلة محرمة، فإن النفس تستمتع لا محالة بالنظر إلى الصورة المحرمة، ولكن تلك اللذة يعقبها من الشؤم ما قد يؤدي إلى انهيار ذلك البيت الذي أسس على شفا جرف هار، فلذة التنزه مع امرأة تخالف الشرع بتبرج وسفور وتنزه مع أجنبي وما يتخلل ذلك من مفاسد، لا تعدل، لمن تدبر لذة إقامة بيت مستقر، فإن شهوة المنكح سرعان ما تزول، وبصبح الزوجان بعد سنوات معدودة بحاجة إلى الاستقرار النفسي والأسري بعد إشباع الرغبة الجسدية، وهي مطلب فطري، حض الشارع، عز وجل، على تحصيله تحصينا للمكلف من الولوغ في الفواحش، ولكن ما عند الله، عز وجل، من الأرزاق، والنكاح ولذته من جملتها، لا ينال بمعصيته، فقد يبذل الناكح لتحصيل أسباب اللذة ما يبذل ثم يعاقب بالحرمان منها لعارض جسدي أو نفسي، فيحدث النفور بين الزوجين، معاقبة له بنقيض مراده، إذ لم يتحر أحكام الشرع في نكاحه، فلا يناله عندئذ إلا تجسم مسئوليات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير