تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والواجب أن يقال: الغيرة غيرتان: غيرة الحق على العبد وهو أن لا يجعله للخلق فيضن به عليهم وغيرة العبد للحق وهو أن لا يجعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغير الحق فلا يقال: أنا أغار على الله ولكن يقال: أنا أغار لله فإن الغيرة على الله جهل وربما تؤدي إلى ترك الدين والغيرة لله توجب تعظيم حقوقه وتصفية الأعمال له". اهـ

فيغار أن يكون حال ظاهر أو باطن، أو نفس خارج أو داخل لغير الله، عز وجل، أن تكون يقظة أو رقدة لغيره، على حد صنيع معاذ، رضي الله عنه، فحاله حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ نزل عليه الوحي آمرا: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): فخص بذكر الصلاة: أعظم العبادات البدنية، وخص النسك، ونحن في أيامه، وهو من أعظم العبادات المالية، فاستوفي بالتمثيل بهما: المال والبدن، إذ هما متعلق الأفعال ومناط الأخلاق التي تنصر بها الديانات: فالكرم متعلق المال والشجاعة متعلق البدن، ثم عم بعد الخصوص ليشمل الأمر كل أحوال العبد فحياته لله، عز وجل، ومماته له، إذ هو خالقه الذي امتن عليه بالبدن والمال ابتداء، وامتن عليه بأسباب نمائهما، وامتن عليه بمباشرة ما يتولد منهما من لذات جبلية، وامتن عليه بالوحي الذي تنتظم به أمورهما فلا تفسد إلا بالإعراض عن أحكامه، فله في كل نازلة حكم هو الأرشد، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، وإن بدا للعقل البشري بادي الرأي أن الصواب في خلافه فذلك مئنة من فساد قياسه إذ نظر إلى لذة عاجلة متوهمة فأهدر بتحصيلها لذات أعظم قدرا ووصفا، وذلك، كما تقدم، صورة من صور الاستثمار الفاشل.

ويغار لله، عز وجل، أن تنتهك حرماته، ولو عجزت اليد لقصورهما في غالب الأحيان، فلا يعجز اللسان، ولو بالنصح والإرشاد، ولو عجز اللسان فلا يعجز القلب فليس بعد ذلك إيمان، فلا يتصور إيمان في قلب يرضى أو حتى يقر، وإن لم يسع ويؤيد، بانتهاك حرمات الرب، جل وعلا، في جليل أمر أو دقيقه، وإنما استأثر أهل العلم بالإنكار في المسائل الدقيقة لخفاء وجه الحق فيها عن كثير من المكلفين بخلاف المنكرات الظاهرة، فتحريمها من المعلوم من الدين بالضرورة، فلا يتوقف الإنكار فيها على تحصيل علم، إذ العلم الضروري يستوي فيه سائر المكلفين فلا يفتقر إلى نظر سابق كسائر العلوم النظرية، وإنما يكون التوقف لعارض من تولد مفسدة أعظم أو وقوع أذى شديد، في النفس أو الأهل أو المال، لا يطيقه المنكر، فذلك مما يسقط التكليف به عن عموم المكلفين دون علمائهم، وموقف الإمام أحمد رحمه الله في المحنة شاهد عدل لذلك، وتقدير تلك الأمور يتطلب تسديدا من الرب، جل وعلا، فيعلم المنكر متى يقدم، ومتى يحجم، ومتى يستعمل يده، ومتى يكتفي بلسانه، ومتى يضطر إلى الإنكار بقلبه تحصيلا لأدنى درجات الإيمان، وهو الغالب على حالنا في هذه الأعصار!، ومن له عليهم ولاية فله أن يأمر وينهى، ومن له عليه حق النصح دون الأمر، ومن لا يستطيع أن يأمره أصلا، فربما قتله أو سجنه!، وتفصيل ذلك كما ذكر ابن تيمية، رحمه الله، في مواضع أخر هو زبدة علوم الرسالات، فهي التطبيق العملي للولاء والبراء الظاهر والباطن، ولن يكون إيمان إلا بتحقيق ذلك، ولو بالولاء الباطن لأهل الحق، إن عجز المكلف عن نصرتهم، والبراء الباطن من أهل الباطل، إن عجز الإنسان عن زجرهم، فحسبه أن يدعو لهم بالهداية، فإن ذلك مشروع لعصاة المسلمين بل أجازه أهل العلم للأحياء من الكافرين، وللجلال موضع، وللجمال موضع، فالدعاء لهم لا ينافي البراء منهم وبغضهم والأخذ على أيديهم متى وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فذلك من تمام نصرة الدين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 11 - 2009, 04:41 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير