تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رحمة الله، عز وجل، إذ هم من أعظم الناس إساءة للظن بالله، عز وجل، وإذا نظرت إلى كل مقالة علمية حادثة أو معصية عملية طارئة، فلا بد أن يكون لسوء الظن بالله، عز وجل، فيها نصيب وافر، فهي من آكد البواعث على انتحال الباطل وارتكاب الفاحش.

وانظر إلى المرجئة الذين غلوا في الجانب الآخر، فقالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، فلهم من قول الحسن رحمه الله: "إن المؤمن جمع إحسانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا": نصيب، فلما أساءوا الظن بأوصاف جلاله: أمنوا مكره واستدراجه في الدنيا، وعقوبته وعذابه في الآخرة، بخلاف الأولين الذين أساءوا الظن بأوصاف جماله من مغفرة في الدنيا ورحمة في الآخرة.

وانظر إلى القدرية النفاة الذين أساءوا الظن بقدرته فنعتوه بالعجز الذي يتنزه عنه آحاد البشر انتصارا لحكمته زعموا!.

وانظر إلى الجبرية الذين أساءوا الظن بحكمته انتصارا لقدرته، فسلبوا العبد قدرته، ونسبوا الظلم إلى الحكم العدل جل وعلا.

وانظر إلى من قدح في الصحب الكرام، رضي الله عنهم، برسم الانتصار لآل البيت، رضي الله عنهم، فجوز على الرب الحكيم، جل وعلا، أن يصطفي لخاتم رسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قد علم أزلا أنهم سيبطلون وصيته ويحرفون ديانته وينتهكون حرمة عترته، ثم هو بعد ذلك عاجز عن حفظ أركان الملة، والانتصار للعترة ممن ظلمهم وسلبهم حقهم!.

وانظر إلى مكذبي رسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أصحاب الكتاب الأول، وقد وقعوا في جنس ما وقع فيه أولئك فجوزوا على الله، عز وجل، أن يؤيد متنبئا كاذبا بكتاب هاد وسيف ماض، فظهر دينه على الدين كله ولا يزال، وتصدى لحربه ودحض حججه المحكمات، أذكياء الأمم، فلم ينالوا من إحكام مقالته ولو بشبهة عارضة، وما زال دينه مطلوب عقلاء الأمم فلا يعرض على خالي الذهن من تشويش المبطلين إلا علم أنه عين اليقين، لمواءمته صريح المعقول وسوي المفطور.

وانظر إلى أي عاص كيف اجترأ على المحارم، فنزع منه وصف الإيمان، وإن بقي له أصله فـ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، انظر إليه كيف أساء الظن بصفات الله، عز وجل،: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى).

وهو أمر مطرد فلا يكون عمل صالح إلا فرعا عن إحسان ظن بالله، عز وجل، ولا يكون عمل طالح إلا فرعا عن إساءة ظن به تبارك وتعالى.

وفي هذه الأيام المباركات يجدر بكل من وجد في نفسه همة وقدرة أن يبادر إلى إحسان الظن بالباري، عز وجل، فيستعين به ويتأيد، ليخشع له ويتعبد، فإن من علامات رضا الرب، جل وعلا، التي تجعل العبد يحسن الظن ربه أن يجد أبواب الطاعات مشرعة، وأبواب المعاصي موصدة، وهذا أمر يجده كل منا في نفسه، فالمعصوم من عصمه الله عز وجل، فحينا يتفضل الله، عز وجل، على العبد، إذا بذل أسباب صلاح نفسه لتصير محلا ملائما لمراضي الرب، جل وعلا، فيستعمله في طاعة، فيجد من التيسير ما يستشعر به معية الرب، جل وعلا، الخاصة التي تكون لعباده المؤمنين، وحينا يجري الرب، جل وعلا، بمقتضى حكمته: عدله في عبده فيحجب عنه أسباب صلاح نفسه، فتصير محلا فاسدا فيبتلى بمعصية، ويجد في نفسه وحشة إذ قد خرج من حد المعية الخاصة إلى حد المعية العامة: معية العلم والإحاطة فالرب، عز وجل، محيط بما اقترفه وبما يقترفه غيره، فمعية العلم تعم سائر المكلفين مؤمنين كانوا أو كافرين، وفي كلال الحالين: لم يظلم الرب، جل وعلا، وإنما هدى فضلا وأضل عدلا، فيعقد، جل وعلا، همما تبادر إلى الطاعات في مواسم التجارات الرابحات كالموسم الذي نحن فيه الآن، وقد أوشك على الانقضاء، ويحل أخرى ويفسخها بمقتضى عدله وقدرته، وكم خطط العبد ودبر، ونقض الرب، جل وعلا، ما دبره وإن كان في غاية الإحكام، إذ قد أتي من قبل نفسه، ففرط أو تعدى، فاستحق الحرمان عدلا، ولو شاء الله، عز وجل، لأعطاه فضلا، ولكنه الحكيم فلا يضع مراضيه إلا في محال الطهر، ولا يعز إلا من ذل، فلا تصلح العزة لطارق باب الملك، فإن استعمال أخلاق العزة في آكد مواطن الذلة مئنة من الخذلان، والملتفت إلى الأسباب دون مسبِّبها، عز وجل، مظنة الاغترار على حد:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير