تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)، فيكون جزاؤه خسف همته كما خسف ببدن ودار قارون الأرض، فمن أراد الدخول فالذل الذل، إذ ليس أنفع من هذا الخلق مع الرب العزيز جل وعلا.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض البيان لحال أولئك المحجوبين بذنوبهم:

"والحق الذي لا ريب فيه أن ذلك جميعه لا يكون إلا لتفريط العبد وعدوانه بأن لا يكون العمل الذي عمله صالحا أو يكون له من السيئات ما يؤخر العبد وإنما العبد ظالم جاهل يعتقد أنه قد أتى بما يستوجب كمال التقريب ولعل الذي أتى به إنما يستوجب به اللعنة والغضب بمنزلة من معه نقد مغشوش جاء ليشتري متاعا رفيعا فلم يبيعوه فظن أنهم ظلموه وهو الظالم وهو في ذلك شبيه بأحد ابني آدم اللذين حكا الله عنهما في قول: (واتل عليهم نبأ ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين)، وعلى هذا الأصل تخرج حكاية عباس، (وهو المروزي الذي حكى القشيري، رحمه الله، طرفا من حاله)، وأمثالها فإنه لم يعين مطلوبه ومراده وما العمل الذي عمله فقد طلب أمرا ولم يأت بعمله الذي يصلح له وأما كون الحق لم يرد منه أن يصل إلى مطلوبه فقد يكون لعدم استئهاله وقد يكون لتضرره لو حصل له وكم ممن يتشوق إلى الدرجات العالية التي لا يقدر أن يقوم بحقوقها فيكون وصوله إليها وبالا في حقه.

وهذا في أمر الدنيا كما قال تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه) وغالب من يتعرض للمحن والابتلاء ليرتفع بها ينخفص بها لعدم ثباته في المحن بخلاف من ابتلاه الحق ابتداء كما قال تعالى: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون).

وقال: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وقال: إذا سمعتم بالطاعون ببلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منها". اهـ

"الاستقامة"، ص362، 363.

فليس من الحكمة في شيء أن يستجلب العبد المحنة ليرتفع بها عند الرب، جل وعلا، فما أدراه لعله لا يصبر فيكون في تلك المحنة هلاكه في الأولى بفساد حاله، وهلاكه في الآخرة إذ جزع فلم يصبر، فمن ذا الذي يطيق آثار أوصاف جلال الرب، جل وعلا، ليتعرض لها، وإنما الحكمة في استدفاعها بالأسباب الشرعية والكونية ما أمكن، فإن سبق في قضاء الرب، جل وعلا، النافذ وقوعها لا محالة، فليستحضر العبد آنذاك مقام: "إياك نستعين" على الرضا بقضائك، فإن لم نكن أهلا لتلك المرتبة فلا تحرمنا بذنوبنا مرتبة الصبر عليه.

ويحكي طرفا من سيرة سمنون، رحمه الله، وقد فتن بحال ظن معها أن له طاقة بابتلاء الرب جل وعلا:

"وأما التألم بالنار فهو أمر ضروري ومن قال لو أدخلني النار لكنت راضيا فهو عزم منه على الرضا والعزائم قد تنفسخ عند وجود الحقائق ومثل هذا يقع في كلام طائفة مثل سمنون الذي قال

وليس لي في سواك حظ ******* فكيف ما شئت فامتحني

فابتلي بعسر البول فجعل يطوف على صبيان المكاتب ويقول ادعوا لعمكم الكذاب قال تعالى: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) ". اهـ

فاستجلب في ساعة عزة ابتلاء الرب، جل وعلا، ولا تجتمع عزة النفس مع كمال العبودية، فوكل إلى نفسه بتحقيق مراده، وعوقب بانفساخ همته، حتى افتضح، ولو طلب الستر ابتداء بسؤال العافية في الدين والدنيا لكان خيرا له وأحسن تأويلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 11 - 2009, 08:14 ص]ـ

ومن صور هذه الغيرة:

قول أبي القاسم القشيري رحمه الله: "واعلموا أن من سنة الحق مع أوليائه أنهم إذا ساكنوا غيراً أو لاحظوا شيئا أو ضاجعوا بقلوبهم شيئا شوش عليهم ذلك فيغار على قلوبهم بأن يعيدها خالصة لنفسه فارغة عما ساكنوه".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير