تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلا يحب أن يرى غيره في قلب عبده: على حد العلم والعمل لا الحلول أو الاتحاد كما يظن غلاة أهل الطريق ممن ضعف علمهم بقدر الباري، عز وجل، بل قد عدم، فجوزوا حلوله في القلوب والأبدان، بل تعدوا ذلك إلى القول بوحدة الأعيان فليست المخلوقات إلا مظاهر للخالق جلالا أو جمالا، فكل خلقه وإن سفل ونجس مظهر من مظاهره، وهو الذي احتجب عن عباده بحجاب النور فلو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ولكن القوم لا يرجون لله وقارا، فحملوا تلك المثل العلمية على الحقائق الخارجية في تكلف غريب، فأهملوا القرائن الحالية والمقالية، وجردوا الألفاظ عن معانيها التركيبية التي لا تدرك إلا بالنظر إلى الجمل لا الكلمات، فإن الكلمات إذا أفردت لم تفد معان كلية يستفيد منها العقل علوما نظرية أو أحكاما عملية، بل غايتها أن تفيد السامع: أحكاما جزئية بدلالتها على معانيها مجردة، والمعنى المجرد لا يكفي لإخبار مفهم أو إنشاء ملزم.

والشاهد أنه، عز وجل، لا يرضى أن يحب عبده غيره على حد الاستقلال، بل لا تكون محبة إلا تبعا لمحبته، فإذا كانت كذلك أفادت قوة تعين العبد على مواصلة السير، بخلاف ما لو صارت أصلا لا تبعا فإنها تصير عبئا عليه يثقل كاهله ويبطئ سيره بل قد يوقفه، وهذا حال كثير من المحبين في زماننا لصور أرضية، أو نعم كونية من مال وولد، أو وجاهات ورياسات وهمية سرعان ما يزول عنها صاحبها أو تزول هي عنه، فقلوبهم قد أصبحت معلقة بغير الله، عز وجل، على حد الاستقلال، فصار المراد لغيره ليعين العبد على مواصلة السير إلى الرب، جل وعلا، مرادا لذاته، والمحب في غير الله: طامع في حظ نفسه وإن أتلف محبوبه فهو مفتقر إلى حظه منه، بخلاف الرب، جل وعلا، فإنه يحب عبده ويصطفيه ولا حاجه له فيه، فغناه عنه مطلق وفقر عبده إليه مطلق، فالعاقل من قدم المحبة النافعة على المحبة الضارة، وإن زين له الشيطان القبيح فرآه حسنا، فاستزله بلذة عاجلة فوتت عليه من اللذات الآجلة ما سيندم عليه المفرط حيث لا ينفع الندم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 11 - 2009, 07:59 ص]ـ

ومن ذلك قول القشيري رحمه الله: "سمعت السلمي يقول سمعت النصراباذي يقول: الحق غيور ومن غيرته أنه لم يجعل إليه طريقا سواه". اهـ

فليس إلى الله، عز وجل، طريق إلا ما ارتضاه دينا وشرعا، من خبر علمي أو حكم شرعي، فخبره الصدق، وحكمه العدل، قد تعبدنا بتصديق خبر رسله عليهم السلام عن كماله المطلق ذاتا وصفات وأفعالا، وعن سائر مغيباته مما لا يعلم إلا بالسمع، فصدق المؤمن المسدد خبره عن ذاته القدسية وصفاته العلية ولما ينظر إليه، فلا يكون ذلك إلا في دار المقامة، وصدق خبره عن الجنان ولما يدخلها فأورثه ذلك قوة علمية نافعة أكملتها الشرائع بما أمرت به من صالح الأعمال، وصدق خبره عن النيران ولما يرها فأورثه ذلك قوة علمية نافعة أكملتها الشرائع بما نهت به من سيئ الأعمال، فلا بد أن تكتمل للعبد في سفره إلى الله، عز وجل، القوتان: العلمية النافعة، والعملية الصالحة، فبالأولى يتصور، وبالثانية يحكم، فيجيء حكمه موافقا لمراد الرب، جل وعلا، الشرعي، ولا كمال لهما إلا بما جاءت به النبوات، فهي الطريق الذي شرعه للسير إليه، فكل حال باطن، أو قول وعمل ظاهر، إن لم يكن على منهاج النبوة، فهو حظ نفس عاجل من هوى عقلي أو ذوق وجداني، أو عناء بلا طائل، فإن الله، عز وجل، قد حجب الهداية إلا عن أتباع الرسالة، فرسالة الكليم قبل مبعث المسيح طريق إليه، ورسالة المسيح قبل مبعث الأمين طريق إليه، ورسالة الأمين آخر الرسالات، فلا طريق إليه بعدها إلا هي، فهي المصدقة لخبر ما تقدمها من الرسالات، إذ خبر الوحي لا يتصور رفعه أو نسخه، فهو خبر الرب العليم الحكيم الذي أحاط بكل المعلومات إجمالا وتفصيلا، وهي مع ذلك قد جاءت بتفصيل ما أجملته الرسالات قبلها، فخبرها في الإلهيات وفي سائر المغيبات قد أزال كل إجمال تقدمه، فشفى العي وأذهب الوساوس فهو جار على قياس العقل الصريح موائم لذوق الفطرة السوية لا يجد منتحله منه نفرة عقلية لكونه محالا مستنكرا، أو نفرة ذوقية لكونه جافا مستصعبا، بل فيه غذاء العقل بأنفع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير