تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نستعين وليس لهم نصيب من: "إياك نعبد"، فيعملون بلا علم، وليس ذلك رسم العبادة المقبولة، فكأنهم ما عبدوا وإن جهدوا فكم جهد أناس على غير طريقة الأنبياء عليهم السلام، فصير الله، عز وجل، أعمالهم هباء منثورا، فلهم من قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً): نصيب وافر على أحد أقوال أهل العلم في تفسيرها بمن سلك مسلك الزهد الغالي مع فساد طريقته ابتداء فعمل ونصب ثم هو يوم الجزاء صال نارا حامية!، فعبادة على غير ما شرع الرب جل وعلا كـ: لا عبادة، وعبادة بلا نية كـ: لا عبادة، وإنما يتقبل الله، عز وجل، من عباده ما كان خالصا في الباطن بتجريد النية، صوابا في الظاهر بتحرير العمل شروطا وأركانا وواجبات وسننا على منهاج السنة.

ولكل تجربة أسرارها، ولذلك قتل من باح بالسر كالحلاج والسهروردي، فالسالك قد يتلبس في طريقه إلى الله، عز وجل، بأحوال أو أقوال أو أعمال تبيح دمه ردة!، فالطريق إلى الإيمان قد يتخلله الكفر! وذلك ما يعتذر به أهل الطريق عن الغلاة من أمثال الحلاج والسهروردي وابن عربي والتلمساني وابن سبعين وابن الفارض، فالقوم قد أصاب الوجد بواطنهم بالخبل فجرى الكفر الصراح على ظواهرهم، وليس في دين الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، دين: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ليس في هذا الدين: أسرار يكتمها صاحبها لئلا يقتل بسيف الشريعة!، لا سيما مع قلة البضاعة من العلم النافع الذي يعصم صاحبه من وساوس الشياطين التي تكتنف هذا الطريق السري!، وكأن الوصول إلى الله، عز وجل، يكون بالسير على طريق غير التي سار عليها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها من الأسرار ما لا يجوز كشفه لكل أحد لئلا يعطب ويفسد حاله، فليست كل النفوس سواء، وذلك قد يصح في مسائل علمية دقيقة لا تحسن إثارتها أمام من لا يفهمها لئلا تكون فتنة له، ولكنه لا يكون في كليات علمية أو عملية، فادعاء أحوال ومقامات تخالف الوحي الظاهر بحجة التعارض بين الحقيقة التي لا تصلح إلا للخواص، والشريعة التي لا تصلح إلا للعوام، ولكل مقام مقال!، ذلك الادعاء مؤداه إبطال رسوم الشريعة التي تعبد الله، عز وجل، بها عبادة بحجة معارضتها لأذواق ومواجيد تتباين بتباين أصحابها، فلكل كما تقدم تجربته الخاصة، ولذلك تعددت الطرق بتعدد التجارب.

يقول ابن عقيل، رحمه الله، عن غلاة أهل الطريق: "فأكثر كلامهم يشير إلى إسقاط السفارة والنبوات.

فإذا قالوا عن أصحاب الحديث، قالوا أخذوا علمهم ميتا عن ميت، فقد طعنوا في النبوات، وعولوا على الواقع، ومتى أزرى على طريق سقط الأخذ به.

ومن قال: حدثني قلبي عن ربي، فقد صرح أنه غني عن الرسول، ومن صرّح بذلك فقد كفر.

فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة، تحتها هذه الزندقة.

ومن رأيناه يزري على النقل، علمنا أنه قد عطل أمر الشرع.

وما يؤمن هذا القائل: "حدثني قلبي عن ربي" أن يكون ذلك من إلقاء الشياطين، فقد قال الله عز وجل: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ" , سورة "الأنعام" الآية: (121).

وهذا هو الظاهر؛ لأنه ترك الدليل المعصوم وعول على ما يلقي في قلبه، الذي لم يثبت حراسته من الوساوس". اهـ

فمن ضمن حراسته من الوساوس بشهب الحق، ومن حَرَسُه الشديد الذي يرد عنه عدوان نفسه وشيطانه، ليقبل قوله ويقلد عمله دون دليل من الوحي المنزل؟!.

وذلك الادعاء من جنس ادعاء الفلاسفة الاستغناء بالعلم عن العمل، فالعمل وسيلة والعلم غاية، مع أن الترتيب العقلي الصحيح يخالف ذلك فالعلم أولا ثم العمل فرعا عنه لا العكس، والنبوة: منصب جماهيري، فشرائعها تلائم الجمهور فالعمل يلائم العامة، بخلاف الخاصة الذين بلغوا بعلومهم حد اكتساب النبوة، وإن لم يصيروا أنبياء بالفعل فهم أنبياء بالقوة!، فعندهم من القوى العقلية والتخييلية والتأثيرية في هيولى العالم ما استغنوا به عن النبوات، وذلك أمر ناقض للملة، إذ تجويز طريق للنجاة غير طريق النبوات عموما، وطريق النبوة الخاتمة خصوصا قدح في صحتها، فهو تكذيب لخبرها إذ قد ادعى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير