تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 11 - 2009, 08:17 ص]ـ

والشاهد أن هذه غيرة توحيدية تشريعية، فيغار، عز وجل، على أصل التوحيد فتلك غيرة على علم العبد أن يفسد باعتقاد ند له، أو اعتقاد نافع ضار سواه يدبر شأن الكون من ملك أو إمام أو ولي، أو اعتقاد اتحاد أو حلول لذاته القدسية في ذات أرضية، أو اعتقاد النقص في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله، أو سوء ظن به إذا نزلت نازلة كونية ............ إلخ، فكل ذلك مما يقدح في توحيد العبد على تفاوت بينها، فمنها ما يقدح في أصل التوحيد كاتخاذ الشريك اعتقادا بالقلب أو لفظا باللسان أو فعلا غير مكره عليه، فينقض الإيمان بمتعلق الباطن من العلوم والأعمال القلبية، فمنها علوم فاسدة تنقض أصل التوحيد كاعتفاد الشريك، ومنها أعمال فاسدة تنقض الأصل أيضا كمن قام بقلبه عدم الخوف من الباري، عز وجل، وإن لم يظهره بلسانه، مع أن ذلك عند التحقيق، فرض نظري إذ لا ينفك الظاهر عن الباطن فهو ترجمان ما قام به من الأحوال، فالقلب ينضح بما فيه على الجوارح، إن صلاحا فهبات وخلعا سنية، وإن فسادا فأعمالا ردية، وكل إناء بما فيه ينضح، ومنها أقوال فاسدة تنقض أصل التوحيد كسب الله، عز وجل، أو سب نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا شبهة إكراه فينقض التوحيد جملة وتفصيلا بذلك وإن لم يكن صاحبه قاصدا مستحلا، ومنها أعمال فاسدة تنقض أصل الملة كسجود لغير الله، عز وجل، بلا تأويل أو عذر بجهل يمنع نفاذ الحكم، فكل أولئك تنقض الأصل، ومنها ما يخدش مرآة التوحيد الصافية من أحوال باطنة أو أعراض ظاهرة لا تنقض الأصل وإن قدحت في الواجب الذي يخرج صاحبه من دائرة الوعيد ليصير محلا قابلا للوعد، ومنها ما هو دون ذلك مما يفوت المكلف من أسباب الكمال المستحب الذي اختص الله، عز وجل، به أصحاب الهمم الإيمانية العالية، فلا تنفك نفس مؤمنة، ولو كانت شريفة، عن نوع فتور وتقصير فيفوتها بذلك من النوافل التي يتذرع بها إلى تحصيل محبة الرب، جل وعلا، ما يفوتها، فذلك في حقها ابتلاء كوني، لا نجاة لمكلف منه، إلا من عصم الله، عز وجل، من رسله وأنبيائه عليهم السلام.

والناس بين تلك المراتب يترددون فتتفاوت أقدارهم عند الله، عز وجل، تبعا لذلك تفاوتا لا يعلمه إلا هو، (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ)، بل العبد الواحد يتردد بين مراتب الكمال والنقصان في اليوم الواحد بل في الساعة الواحدة مرات لا يعلمها إلا الله، عز وجل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع أخر.

ولك أن تنزل تلك المراتب الثلاثة: مرتبة الأصل، والكمال الواجب، والكمال المستحب: منزلة الضروريات والحاجيات والكماليات في مقاصد الشريعة.

فأصل الإيمان ضرورة لا نجاة إلا به، وكماله الواجب حاجة لا ينقض تخلفها الأصل ولا تصل إلى رتبة الضرورة إذ لا يفوت بفواتها الأصل وإن لقي العبد من ذلك من الحرج ما صيره أهلا للوعيد، وكماله المستحب ينزل منزلة الكماليات التي لا يليق بذوي المروءات تركها، وإن لم يكن تاركها من أهل الوعيد، بل إن ترك جنس الكماليات الإيمانية يوقع صاحبه في دائرة الذم، فلا ينفك ذلك غالبا عن تفريط في الواجب، فالنوافل سياج الواجبات، كما أن العمل برمته سياج العلم، فالمعركة الحقيقية دائرة في الباطن، وإن ظهرت آثارها على الظاهر، للتلازم الوثيق بينهما، فالظاهر بأعماله وأقواله وزير صدق ومدد جند للباطن في تلك الحرب التي تدور رحاها من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة إجمالا، ومن لحظة الاستيقاظ إلى لحظة المنام تفصيلا.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"قلت هذه الغيرة، (أي: غيرة النصراباذي: "الحق غيور، ومن غيرته أنه لم يجعل إليه طريقا سواه")، تدخل في الغيرة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه". وأعظم الذنوب أن تجعل لله ندا وهو خلقك وتجعل معه إلها آخر والشرك منه جليل ومنه دقيق فالمقتصدون قاموا بواجب التوحيد والسابقون المقربون قاموا بمستحبه مع واجبه ولا شيء أحب إلى الله من التوحيد ولا شيء أبغض إليه من الشرك ولهذا كان الشرك غير مغفور بل هو أعظم الظلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير