تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقل من يسلم في زماننا فصار لزوم البيوت إلا لمصالح شرعية ودنيوية راجحة من جمع وجماعات وقضاء حاجة للأهل أو الإخوان أو طلب علم أو عمل من علوم أو أعمال الدين أو الدنيا ......... إلخ، صار ذلك اللزوم خير وسيلة لحفظ القلب والعقل والوقت الذي يمر كالبرق الخاطف فالسنوات تترى، ولا قيد لمن تقدم عمره وذبلت زهرة شبابه ليقيد به الوقت ويلجم به عقارب الساعة.

فالبدار البدار لمن تقدمت به السن لعل الله، عز وجل، أن يغفر له ما فات إن أحسن فيما هو آت.

والبدار البدار لمن كان يافعا مكتمل القوى الذهنية والبدنية قبل أن تخمد القوى وتموت الهمم، فهي تشيخ كالأبدان بل ربما أسرع بتوالي النوازل الكونية أو الشواغل الصارفة فمن صح بدنه واتسع وقته فحري به أن يغار على تلك النعم فلا يصرفها في أمر يسوءه أمام الرب جل وعلا.

وأحق الأوقات بالغيرة ما نحن مقبلون عليه من أيام مباركات هي، عند النظر والتأمل، سويعات لا تلبث أن تنقضي، ودعاء الله، عز وجل، الثباتَ فيها على الطاعة، وعقدَ الهمة على بذل أسباب رضاه، تبارك وتعالى، فيها: حتم لازم. والمسدد من سدده الله، عز وجل، فضلا، والمخذول من خذله عدلا.

ولكل ما يناسبه: من أجناس الطاعات ومن أجناس الحيوات:

فمن الناس من تناسبه الحياة الهادئة فإذا تكاثر خلانه وأصدقاؤه وكثر خروجه وولوجه فسد عليه قلبه فكثرة إخوانه رق مانع لقلبه من السير إلى الله عز وجل.

ومنهم من لا يستطيع أن يعيش بعيدا عن إخوانه فلا يجد صلاح قلبه إلا في مخالطة المسلمين ودعوتهم والصبر على أذاهم، فلو انفرد بنفسه لفسد حاله بتكالب الوساوس والهواجس عليه. وهو الأفضل إجمالا لنص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك، وإن كان المفضول من العزلة قد يعرض له ما يجعله فاضلا لا سيما مع تكاثر الشبهات والفتن.

والشيء بالشيء يذكر، فمما أثار غيرتي على الوقت والعمر الذي تلفت مني وهو أمر لا يفارقني تقريبا مذ جاوزت الثلاثين:

ما جرى لي بعد سفر عارض بالأمس، رجعت فيه لأجد الأسرة، حفظ الله أفرادها وسددهم، قد تحلقت حول أحد برامج قناة المستقلة الفضائية، وكنت قبل زمان ولا زلت كلما واتتني فرصة أتابع بعض برامجها ولو عرضا فلا تنفك مناظراتها وبرامجها الحوارية عن فائدة شرعية وإن كان عليها ملاحظات لا تسلم منها أي قناة، والحق الخالص في أمر ديني أو دنيوي، عزيز بل عديم في زماننا، وكان موضوع النقاش حول الفتنة الكروية التي اشتعلت على نحو مفاجئ فاق تصورات أكثر المتابعين تشاؤما مع استمرار تراشق الاتهامات بين البلدين المسلمين، وقد جذبت ابتداء إلى موضوع النقاش الذي شغل الرأي العام في مصر، ولا زال مع وصوله لأعلى المستويات الرسمية، في استغلال واضح للأزمة من قبل الحكومتين لإلهاء المسلمين في كلا البلدين عن أجندة متخمة بالمشاكل الدينية والدنيوية فضلا عن تحقيق مكاسب خفية يرنو إليها الساسة ولو على حساب عموم المسلمين، وزاد من ذلك الجذب إعطاء الفرصة لكثير من المداخلين لإبداء الرأي، وبصراحة: بعد متابعة استمرت دقائق، والأمر كئيب محزن كلما خطر على البال أصاب الإنسان بالضحك ابتداء فالدهشة ثم الغم انتهاء على ما آل إليه الأمر من تطور يرجح نظرية المؤامرة، بعد تلك المتابعة العارضة أصابني ضيق في الصدر مع توالي مشاهد وتسجيلات وتصريحات وأدلة إدانة يعرضها كل طرف وشهادات على المهزلة التي بدأت في القاهرة واستمرت في الخرطوم ولم تنته إلى الآن، وبعد الضيق أصابتني غيرة على الوقت أن يضيع والقوى أن تستهلك في اجترار تلك المعركة الوهمية التي صارت حقيقية، حتى تندر شقيقي الأكبر متعجبا من هذا الأمر على طريقة الأفلام العربية قائلا ما معناه: "خلاص، كل شيء انتهي بيننا" في إشارة إلى الروابط التي تجمع المسلمين في البلدين وأولها وأعظمها: الرابطة الدينية التي ذبحت ذبحا في تلك المعركة الفاصلة لنيل بطاقة التأهل أو الترشح إلى المونديال!، فلا صوت يعلو فوق صوت الوطن، وقد ضاع محل النزاع في خضم الاتهامات المتبادلة والإنكار من كل الأطراف، وكأن التجاوزات بغض النظر عن الفاعل قد وقعت من عفاريت!، فلا الطرفان مسئولان، ولا الإخوة في السودان، وقد دخلوا طرفا في صراع ليس لهم فيه ناقة ولا جمل، ولسان حالهم: ليتنا ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير