العام أو الخاص إلى رجال قوالين لا فعالين، فليس ثم صديق فعال غير قوال في جليل أو دقيق.
والصبر مقام صنفت فيه كتب ولم يقم بمسطورها إلا آحاد، فالصابرون حال السلامة كثر، فكل يدعى التعقل والروية إن لم يكن له في الأمر أرب، فإن ظهر له فيه حظ نفس نسي ما كان يقرره تقرير العالم النحرير وصار أجهل ممن يعظه، فالكلام على الألسن حال الغيب ليس كالفعل على الجوارح حال الشهادة، وليس مباشر الفعل كمن تصوره، فلا بستوي الصابر بالقوة والصابر بالفعل!، فليس ثم صابر بالفعل فجأة بل قد جعل الله، عز وجل، لكل شيء سببا، فما تراه من ردود أفعال حسنة كانت أو قبيحة هو نتيجة تراكمية كنتيجة الدراسة الجامعية عند التخرج تجمع فيها درجات الأعمال كما تجمع درجات المواد لتظهر النتيجة نجاحا أو رسوبا، ومع كل ابتلاء ولو في موقف عابر في الشارع في الحافلة في البيت مع الأب مع الأم مع الأخ مع الزوجة مع الولد أو حتى مع النفس: يعقد امتحان مفاجئ على حد الامتحانات التي تستنهض بها همم الطلبة إن وجد المعلم منهم تقصيرا، فينجح من سدده الله، عز وجل، ويرسب من خذله، ويجد المسدد ولو تألم ابتداء حلاوة النجاح عند ظهور نتيجته، ويجد الراسب وهو حال معظمنا من الندم ما يجعله إن كان ذا عقل يعيد النظر، فيجتهد في تحصيل مقررات الصبر والاستعانة والتوكل وسائر الأعمال القلبية، لعله ينجح في دور تال أو حتى سنة تالية!، والأمر يستلزم مجاهدة لتهذيب الطباع إن لم يقو صاحبها على تغييرها، فإن تغيير الأخلاق أعسر من تغيير شرايين القلب، فجراحات الأرواح أعقد وأدق من جراحات الأبدان، فلا بد من رسوب أول وثان وثالث وعاشر حتى يجد الدارس نجاحا باهتا فإن واظب على الحضور والاستذكار وجد نجاحا آخر أكبر فنجاحا ثالثا و:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا.
وقد رأيت من حال بعض الزملاء ممن أكمل الدراسة بعد الجامعة من رسب ست أو سبع مرات حتى نال مبتغاه بعد سنين من المثابرة لتحصيل علم نافع، ولكنه مع عظم نفعه، لا يرتقي إلى مرتبة علم الآخرة: علم التطبيق العملي لا مجرد تحصيل المسائل فذلك خير ولكنه وسيلة لا ينتفع بها إلا حيث صيرها صاحبها ذريعة إلى المراد لذاته: حصول النجاة مطلوب كل عاقل كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
والأمر يشبه إلى حد كبير: حراسة الخواطر التي أشار إليها ابن القيم، رحمه الله، في مواضع من كتبه، فإن الشيطان يغزو العقل بعشرات الأفكار السيئة: شبهات كانت أو شهوات، لا سيما في أوقات العبادات المحضة كصلاة ونحوه خصوصا، وسائر الأزمنة الفاضلة عموما، كالأيام التي عشناها مذ بزغ فجر أول أيام العشر، فتعمل الشياطين بكفاءة في صرف الهمم عن معالي الأمور إلى سوافلها، ويتفنن أبالسة الإنس والجن في الوسوسة ولو بصرف الهمم العلية عن فاضل إلى مفضول، فليس لهم غاية إلا إفساد القلوب بشبهات أو شهوات أو ضغائن وأحقاد ولو لأتفه الأسباب كما وقع مع أول أيام ذي الحجة في النازلة المضحكة المبكية التي لا زلنا نجد آثارا منها في المنتديات العامة ووسائل الإعلام، وإن انحسرت نوعا ما مع قدوم العيد ولله الحمد، ولو فطن المسلمون في المصرين إلى كيد من أشعل تلك النار من شياطين الجان والإنس، وقد تفوق شياطين الإنس فأعدوا العدة قبل المعركة بوقت كاف، لو فطنوا لذلك لضنوا بأوقاتهم وأذهانهم أن تصرف في تلك المعارك الوهمية التي ألفها وأخرجها الساسة وتجار الإعلام بامتياز.
والشاهد أن الشيطان يغزو العقل في كل وقت، ويشتد ضراوة في مواسم الطاعة، فيلقي في رحى القلوب والعقول مادة فسادة تبدد قواها فلا تسمع إلا جعجعة بلا طحن، فإن حرس المكلف رحى قلبه قأقام الدروع الإيمانية الواقية من ذكر وصلاة وصدقة ................ إلخ، صد ذلك الهجوم أو أضعفه على أقل تقدير فلا بد من وقوع خسائر بل قد تكون جسيمة في أحيان كثيرة، فأدوار المعركة كثيرة، وأيامها بل لحظاتها دول، فلحظة تؤيد بالفضل الرباني فتنصر، ولحظة تخذل بمقتضى العدل الإلهي فتغلب، وهكذا، وليس الأمر في أوله أو آخره هينا، فليس ثم إلا سبيل التوكل على الله، عز وجل، وبذل السبب ثم المنازلة والمحاولة لعل الله، عز وجل، أن ينزل على أرض القلب ماء يطهر المحل ويذهب الرجز ويثبت الأقدام في ساحة النزال.
والله أعلى وأعلم.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[27 - 11 - 2009, 08:52 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ..... وبعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا ..... على ما تقدم .... جعله الله في موازين حسناتكم .... اللهم آمين
وأضيف لهذا الموضوع القيم والمتميز والذي يحمل فوائد جمة .... قول لشيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله:
" تأملت أنفع الدعاء فإذا هو: سؤال الله العون على مرضاته "
اللهم إنا نسألك أن ترضى عنا وعن جميع المسلمين .... اللهم آمين
بارك الله في علمكم وفي نقلكم ...
¥