ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 11 - 2009, 09:09 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق الكريم وأجاب دعائك ونفعك ونفع بك.
وعمن تلبس بمساخط الرب، جل وعلا، يقول ابن تيمية رحمه الله:
"فإذا كان الله سبحانه لا يرضى لهم ما عملوه بل يسخطه ذلك وهو يسخط عليهم ويغضب عليهم فكيف يسوغ للمؤمن أن يرضى ذلك وأن لا يسخط ويغضب لما يسخط الله ويغضبه.
وإنما ضل هنا فريقان من الناس:
قوم من أهل الكلام المنتسبين إلى السنة في مناظرة القدرية ظنوا أن محبة الحق ورضاه وغضبه وسخطه يرجع إلى إرادته وقد علموا أنه مريد لجميع الكائنات خلافا للقدرية وقالوا هو أيضا محب لها مريد لها ثم أخذوا يحرفون الكلم عن مواضعه فقالوا لا يحب الفساد بمعنى لا يريد الفساد: أي لا يريده للمؤمنين ولا يرضى لعباده الكفر بمعنى لا يريده أي لا يريده للمؤمنين.
وهذا غلط عظيم فإن هذا عندهم بمنزلة أن يقال لا يحب الإيمان ولا يرضى لعباده الإيمان بمعنى لا يريده للكافرين ولا يرضاه للكافرين، (ووجه الخطأ فيه أن الله يرضاه لهم ويقبله منهم ولذلك خوطبوا به شرعا ولو لم يؤمنوا به كونا).
وقد اتفق أهل الإسلام على أن ما أمر الله به فإنه يكون مستحبا يحبه ثم قد يكون مع ذلك واجبا وقد يكون مستحبا ليس بواجب سواء فعل أو لم يفعل.
والفريق الثاني: من غالطي المتصوفة شربوا من هذه العين فشهدوا أن الله رب الكائنات جميعها وعلموا أنه قدر كل شيء وشاءه وظنوا أنهم لا يكونون راضين حتى يرضوا بكل ما يقدره الله ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان حتى قال بعضهم: المحبة نار تحرق من القلب كل ما سوى مراد المحبوب قالوا والكون كله مراد المحبوب وضل هؤلاء ضلالا عظيما حيث لم يفرقوا بين الإرادة الدينية والكونية والإذن الديني والكوني والأمر الديني والكوني والبعث الكوني والديني والإرسال الكوني والديني". اهـ بتصرف
"الاستقامة"، ص375.
فقد غلط في هذا المقام من سوى بين المحبة والإرادة كجملة من متكلمي أهل السنة: فجعل مرادات الرب، جل وعلا، إطلاقا بلا تقييد محبوبة له فهي مما يستجلب به رضاه وإن كانت خلاف أمره الشرعي إذ الكون كله محبوب لأنه لأنه كله مراد موجود، مع أن في الوجود ما يبغضه الرب، جل وعلا، من سائر الاعتقادات والأقوال والأفعال الباطلة، ومع ذلك شاء الرب، جل وعلا، وجوده فصار مرادا له باعتبار إرادة الكون المرادفة للمشيئة إذ كلاهما عام يشمل سائر الموجودات، لا باعتبار إرادة الشرع المستلزمة لحصول محبته، إذ هي جملة من مراضيه التي شرعها على ألسنة رسله وأنزلها في كتبه فلا تتلقى إلا من جهة الوحي كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.
فمن سوى بين الإرادتين: الكونية والشرعية فهو صائر لا محالة إلى مقالة الجبرية الذين أبطلوا، بلازم مقالتهم بل قد صرح بعضهم، النبوات فسووا بين مراضي الرب، جل وعلا، ومساخطه، فالقوم قد شهدوا مقام الربوبية وغضوا الطرف عن مقام الألوهية، فأبطلوا قدر الشرع الحاكم بقدر الكون النافذ، فليس ثم موجود إلا وهو محبوب، ولو كان أخبث الأعيان أو الأفعال،
وتولد عن ذلك الإفراط في شهود الحقيقة الكونية في مقابل التفريط في شهود الحقيقة الشرعية: ظهور مقالة الفناء الوجودي أو الذاتي، فالأعيان واحدة في الجوهر وإنما نرى أعراضا لها في الخارج، وذلك فرع عن نظرية وحدة جوهر العالم عند الفلاسفة فمادته واحدة قديمة بقدم ذات الرب، جل وعلا، التي نفى عنها الفلاسفة صفات الكمال وجعلوها محض علة لصدور الكون تقترن بمعلولها، فالعالم قديم بقدم الرب، جل وعلا، وذلك مما كفر به المحققون كالغزالي وابن تيمية، رحمهما الله، الفلاسفة الإلهيين، فهو يتضمن نفيا صريحا لصفات كمال الرب، جل وعلا، إذ هو عندهم ذات بسيطة قد اتصفت بالعلم بالكليات دون الجزئيات، وهذا القول بمفرده مخرج من الملة، قد صدر عنها الكون، كما تقدم، صدور المعلول من علته، لا صدور المخلوق من خالقه المتصف بكمال صفات الذات والفعل فعنها صدرت كلماته الكونيات النافذة فكان هذا الكون عقيبها لا مقارنا لها فتلك مقالة أهل الإسلام المعظمين للرب جل وعلا المثبتين له كمال الذات والأسماء والصفات والأفعال على الوجه اللائق بجلاله، وهو مع ذلك يتضمن منازعة الرب، جل وعلا، في صفة من أخص صفاته وهي الأولية، فهو
¥