تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

: الأول بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فليس قبله شيء، وليس معه شيء، بل كان ولا مخلوق، ثم خلق العرش أول مخلوقات هذا العالم المشهود، ثم خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الكائنات إلى قيام الساعة، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، فما نباشره من الأسباب: كونية كانت أو شرعية، عادية كانت أو عبادية، إنما هو تأويل ما قد كتب كونا مبرما في اللوح، فليس ثم إلا التوكل والعمل، إذ لا علم لنا بالمسطور في عالم الغيب لنحتج به على تقصيرنا في عالم الشهادة. وذلك التأويل الكوني للمقدور الأزلي في عالم الشهادة الوجودي هو، كما تقدم في مواضع شتى، دليل القدرة الربانية النافذة فهي متعلق أمر الكون: كن فيكون، والحكمة الإلهية الشارعة فهي متعلق: افعل ولا تفعل، فإذا شغل العبد عن: افعل ولا تفعل وهو ما قد كلف بتحصيله امتثالا للأول واجتنابا للثاني، إذا شغل عنهما بـ: كن فيكون، فقد استدرج إلى فخ شيطاني يصيره جرما يدور في فلك مفرغ لا أول له ولا آخر، إذ قد فسد أمره ابتداء بمعارضة الشرع بالقدر ولو في ذهنه، ثم بقياس فعل ربه على فعله.

وعليه يحمل قول النصراباذي: "من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه".

فإن الله، عز وجل، قد جعل مراضيه في محبوباته الشرعية، وإن لم تقع، ولم يجعلها في كل مراداته الكونية، وإن كان بعضها محبوبا له مما يفعله العباد من الطاعات، فرضا الرب، جل وعلا، في شرعه، وقدرته في كونه، والشرع هو متعلق التكليف كما تقدم فهو أحرى ما يشغل العاقل به نفسه، بخلاف الكون فإنه أمر خارج نطاق الإرادة البشرية، فلا يكلف بتسييره، إذ ليس ذلك إلا لمسيِّره، عز وجل، وإنما غاية الإنسان أن يكون مستخلفا فيه، وهو عند التحقيق مستخلف في بعضه، فلم يستخلفه الله، عز وجل، ليجري السحاب أو ليدبر الأفلاك، كما زعم من زعم من الغلاة في البشر أنبياء كانوا أو أئمة أو أو شيوخا أو حتى رؤساء وملوكا في الأعصار والأمصار التي يتضخم فيها مفهوم الزعامة ليتحول من تكليف إلى تسبيح بحمد بشر لا يضر ولا ينفع، فيصير الوهم حقيقة، إذ ما كان نقش خاتمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا: محمد رسول الله، بخلاف نقوش المتأخرين فإنها تحمل من ألقاب الجلالة والفخامة والضخامة ما قد يخدع حتى العالم بحقيقة أمرهم ومبلغ شأنهم، فلم يستخلف الإنسان لمهمة كونية، إذ لا مدبر لهذا الكون إلا رب البرية، وقد استعمل جندا غيره من الملائكة ليصدروا عن أمره التكويني النافذ فهم به عاملون وله منقادون، وإنما استخلفه لمهمة شرعية: مهمة إقامة النبوات وسياسة الدنيا بها، إذ هي أفضل النواميس باعتراف المنكرين لها من المتفلسفة الذين لهم نوع علم وعقل نظروا به فيها فتبينوا أن صلاح الأفراد والجماعات في السير على طريقتها، فعليها تأتلف القلوب، إذ قد جبل الإنسان على التحزب فهو يفتقر دوما إلى مثل عليا كما يقول الفلاسفة، فلا بد له من الاجتماع، ولا بد للجمع من رأس يسوسه، فـ: "لا بد للناس من إمارة برة أو فاجرة فأما البرة فتعدل في القسم وتقسم فيئكم فيكم بالسوية وأما الفاجرة فيبتلى فيها المؤمن والإمارة الفاجرة خير من الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج قال القتل والكذب"، ولا بد للسائس من ناموس يسير عليه، يصوغه العقل الجمعي للجماعة فـ: "كما تكونوا كذلك يؤمر عليكم"، وأوثق العقود باستقراء تاريخ البشر: عقود الديانات صحيحة كانت أو باطلة، باستثناء الديانات العنصرية كديانة يهود التي أقام أصحابها بنيانهم على شفا جرف مقالة: "شعب الله المختار"! فانهار بهم في دركات التعصب والمركزية المقيتة فهم محل عناية الرب، جل وعلا، فلأجلهم خلق الكون ولأجلهم خلق النوع الإنساني ليتخذوا منه خدما وعبيدا، والشاهد أن الرابطة الدينية هي الرابطة الوحيدة التي تتسع لكل المكلفين، بل قد حمل ذلك النصارى على ادعاء عالمية رسالة المسيح عليه السلام مع كونها خاصة ببني إسرائيل، ليجمعوا الناس تحت راية الصليب فهي راية دينية محضة، فليس عصبية أقوى من عصبيتها، فإذا تنازل الناس عنها وانحطت هممهم إلى الدرجة التالية وهي القومية العرقية كالعروبة أو القارية ....... إلخ خرج من حدها كثير من البشر إذ قد ورد عليها قيد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير