تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حجر واسعا، فإذا ضاقت أكثر بورود قيد الوطنية خرج من حدها فئام أكثر، فإذا ضاقت أكثر وأكثر بورود قيد المحافظة أو المدينة أو القرية أو العائلة أو حتى نادي الكرة المحلي!، خرج منها معظم البشر تقريبا فلم يبق لصاحبها إلا أولياء يعدون على الأصابع، فانظر إلى ضيق أفق البشر الذين قصروا الولاية على أقوال عنصرية أو أجناس علوية!، وانظر إلى سعة رحمة الله عز وجل: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، فجعل الولاية لله ورسوله خصوصا فهي الأصل، وللمؤمنين عموما بقرينة الموصول الذي هو نص في العموم. و: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فلم يعلق حكم التقوى على قومية أو وطنية أو بلدية .... إلخ، وإنما علقها على وصف معنوي يسع البشر جميعا، فليس حكرا على أمة بعينها، فذلك عقد صالح لعموم البشرية، إذ يجتمع تحته كل المكلفين لتعلقه بقلوبهم لا بصورهم وأجسادهم ولذلك ذيل بالعلم فالخبرة التي هي أخص، فهي: علم ما دق من الأحوال القلبية التي لا يطلع عليها كثير من البشر وإن بدت بعض آثارها على فلتات اللسان.

والعرب باستقراء تاريخهم القديم والحديث، المهم والتافه، بل المضحك المبكي، كالفضيحة الأخيرة، باستقراء تاريخهم: أمة شرسة الطباع، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون، رحمه الله، بقوله:

"إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق تم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك. وهم مع ذلك أسرع الناس قبولاً للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الأخلاق، إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المتهيىء لقبول الخير، ببقائه على الفطرة الأولى، وبعده عما ينطبع في النفوس من قبيح العوائد وسوء الملكات، فإن كل مولود يولد على الفطرة". اهـ

فلا يؤلف بين قلوبهم المتنافرة ولا يهذب أخلاقهم الشرسة إلا نبوة، فهم، مع ما جبلوا عليه من خلال كريمة كالكرم والشجاعة، لا يخضعون لسلطان إلا سلطان الوحي، سلطان: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فلا يؤلف بينهم لقاء رياضي يستبيحون فيه حرمات بعضهم البعض ليضحك سفهاء الأمم قبل عقلائهم على جهالتهم التي فاقت في بعض صورها الجاهلية الأولى. فإما نبوة وقيادة للأمم، وإما قومية أو وطنية أو أي صورة حزبية تجعلهم في ذيل الأمم.

والشاهد أن مهمة الإنسان هي النظر في أمر الشرع تنفيذا، لا في أمر الكون تدبيرا، وإن عرض له أمر الكون فمصلحة تحكمها كليات الشرع، فلا يهدر الكل تحصيلا للجزء، كما يدعي أصحاب المصالح المتوهمة التي يردون بها الشرع المنزل فرعا عن معارضة نصوصه المحكمة المطردة بأقيستهم أو أذواقهم المتشابهة المضطربة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير