تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يكون سخط على أقدار الرب، جل وعلا، إلا طلبا لحظ النفس، وغالبا ما يكون في الفضول والكماليات لا في الضروريات أو الحاجيات، وهذا أمر مشاهد في كثير من البيوت، فالزوجة ساخطة لأن الجارة تملك ما لا تملك من فضول المتاع، مع أنها تعيش في سعة أو كفاف فما زاد عنه فهو فضول يحمل الإنسان تبعته، صيانة له وتثميرا، وأداء لحقوقه إن كان من أهل الديانة، ثم هو لا محالة مورثه لمن بعده ومسئول عن كل ما جمعه.

وتأمل كثيرا من الزيجات التي تفشل بسبب أطقم خشبية او زجاجية إضافية لا تستعمل إلا نادرا، بل قد تورث إلى الجيل الآتي ولما ينتفع بها أحد، كما هو الحال عندنا في مصر، فهي كماليات سدت الذريعة إلى تحقيق ضروريات من عفة وحفظ نفس بتناسل مشروع ......... إلخ، وذلك مئنة من قصور الفهم وعدم إدراك مقاصد الشريعة الحنيفية السمحة.

فإذا سلا الإنسان عن حظوظ نفسه: مادية كانت أو معنوية، تخفف من كثير من الأحمال الإضافية التي تعيق مسيرته إلى الرب، جل وعلا، والسلوان عن شهوات الجسد من توسع في المآكل والمشارب والناكح والملابس والمساكن ..... إلخ أيسر بكثير من السلوان عن شهوات الروح من لذات الوجاهة والرياسة الوهمية، فكثير من النفوس، كما ذكر ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين"، لا تجد صعوبة في ترك لذات الجسد، بخلاف لذات الروح التي لا يزهد فيها إلا آحاد المكلفين، وتأمل شهوة كشهوة الانتصار للنفس ممن بغى وظلم، كيف صيرت كثيرا من المظلومين: ظالمين! بتعديهم في استيفاء حقوقهم، فالنفس طالبة لحظها متعدية في تحصيله ليس لها من الفضل أو العدل نصيب إلا من كبح جماح شهواتها بلجام الشرع الحاكم. ولا يكون ذلك إلا بصبر لا تطيقه جل النفوس، أو فضل لا يناله إلا نبي أو صديق أو ولي، فهو على رسم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ يُحَدِّثُنَا فَإِذَا قَامَ قُمْنَا قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ فَحَدَّثَنَا يَوْمًا فَقُمْنَا حِينَ قَامَ فَنَظَرْنَا إِلَى أَعْرَابِيٍّ قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ رِدَاءً خَشِنًا فَالْتَفَتَ فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَبْذَتِكَ الَّتِي جَبَذْتَنِي فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ لَهُ احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا وَعَلَى الْآخَرِ تَمْرًا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى". وبذلك استدل يهود على صدق دعوى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في حديث زيد بن سعنة، رضي الله عنه، ذلك الحبر اليهودي، وفيه: "يَا عُمَرُ، لَمْ تَكُنْ مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ الْجَهْلُ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا" فالحلم له طبع لا تكلف فيه، فهو حليم بطبع وهبي لا متحلم برياضة كسبية، فطباعه على حد نبوته: وهبية لا اكتساب فيها قد جبل صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أكمل الأوصاف الخُلُقية والخَلقية فلا مطمع في بلوغ درجته وإنما حسب السائر على الطريق التأسي به على حد:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ******* إن التشبه بالكرام فلاح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير