تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكيف بالتشبه بالأنبياء عليهم السلام؟!. فالنجاة كل النجاة في تصديق أخبارهم وامتثال شرائعهم والتحلي بخلالهم والحكم بسياساتهم، فرسالاتهم كما تقدم: أفضل النواميس، وأكملها باعتراف عقلاء الأمم: ناموس النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو الناموس الجامع للفضل العيسوي والعدل الموسوي، وهو الناموس الناسخ لما تقدمه فآياته قد أحكمت على رسم: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، فالإحكام من الحكمة، والبيان والتفصيل من الخبرة، فهي أعلى مرتبة من العلم، فيكون الكلام جاريا مجرى اللف والنشر المرتبين بمقابلة الإحكام بالحكمة والتفصيل بالخبرة كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

ومن ذلك أيضا ما ذكره الشبلي بين يدي الجنيد رحمهما الله:

"لا حول ولا قوة إلا بالله فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء". اهـ

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض التعليق على كلام الجنيد رحمه الله:

"فإن هذا من أحسن الكلام. وكان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة ومن أحسنهم تعليما وتأديبا وتقويما وذلك أن هذه الكلمة هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعا لا صبرا فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها إذ كانت حالا ينافي الرضا ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه". اهـ

"الاستقامة"، ص377، 378.

فاستعمال الحوقلة يكون حال الهم على فعل أمر شرعي لا حال الدفع لعارض كوني، فإن العارض الكوني إنما يستدفع بالاسترجاع إذ لا قدرة للإنسان على دفعه فيستعمل معه حال وقوعه: أدوية الرضا أو الصبر الشرعية وآكدها في هذا المقام تأول قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فهو خبر أريد به إنشاء الاسترجاع بالتنويه بشأنه فذلك مما يحض المسدد على فعله فيلهمه الله قوله ويجريه على لسانه عفوا حال وقوع المصاب، والمسدد من سدده الله، عز وجل، في تلك النوازل التي تطيش فيها العقول وتطير فيها القلوب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ومنه ما روي من كتاب عمر لأبي موسى رضي الله عنهما:

"فإن الخير كله في الرضا فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".

"الاستقامة"، ص379.

فهو على حد قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا"، وإن كان كلامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبلغ وأجمع، فإنه أضاف إلى الرضا: اليقين، وهما، وإن كانا متلازمين بداهة فلا يتصور رضا مع شك، إلا أن النص عليهما في موضع البيان تفصيلا آكد في تصور المخاطب لمراد المتكلم، فضلا عن نص الحديث على فضيلة الصبر دون الأمر الصريح به، فالخبر إذا أريد به الإنشاء حضا على فعل الشيء ببيان حسنه، أو حضا على تركه ببيان قبحه، فهو آكد من الأمر الصريح.

وعن مقام الرضا، نسب إلى أبي سليمان الداراني، رحمه الله، مقالة: "الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار".

وهذه دعوى شكك المحققون، كابن تيمية رحمه الله، في نسبتها لذلك الإمام الجليل، مع ما علم من حاله فهو من أكابر أهل الطريق الأوائل الذين كانوا يعظمون أمر الاتباع في العلم والعمل، وذلك ما افتقده أهل الطريق في أجيال لاحقة فرطت بداية في العمل، فتلبست بجملة متكاثرة من المحدثات حتى صارت رسومها تخالف كثيرا من رسوم السنة، فاتخذت كأي طريقة في الدين مخترعة اسما علما باينت به اسم السنة مع أن البداية لم تكن إلا بضع مخالفات عملية يسيرة وبضع أقوال خرجت من أصحابها تأولا أو غلطا تغمره بحور فضائلهم المتكاثرة التي لم يكن للمتأخرين منها عظيم حظ، ولكن شؤم مخالفة السنة قد كثر تلك الأخطاء وصيرها طرقا مسلوكة معتادة فقل الإنكار على المحدث، بل قد صار في الأعصار المتأخرة على المتسنن، إذ قد خفيت أعلام الطريق في أعصار وأمصار، حتى ظن الناس السنة بدعة تنكر، والبدعة سنة تعرف!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير