تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونعيم البدن في الدنيا بمباشرة أسباب الحلال الطيب وفي الآخرة بنيله خالصا، لا يغض من مقام صاحبه بل هو عون له في الدنيا على القيام بالأمر الشرعي، وجزاء له في الآخرة على ذلك على حد قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، والآخرة أكمل الدور روحا وبدنا، فإن الدنيا، كما يقول ابن القيم رحمه الله ما معناه، دار قد ظهرت فيها أعلام البدن وخفيت أعلام الروح، فالبدن هو الذي يلتذ أو يتألم ابتداء ثم يسري ذلك إلى الروح، فهي له تبع، والبرزخ دار ظهرت فيها أعلام الروح، وخفيت أعلام البدن، فنعيم القبر وعذابه على الروح ابتداء فالبدن تبعا، خلاف الدار الباقية فإنها أكمل الدور نعيما أو عذابا، لذة أو ألما، فكيف يكون سؤال الله، عز وجل، تمام اللذة أمرا يقدح في رضا صاحبه.

فالرضا: أن لا ترضى لنفسك في أمر الدين إلا بأرفع المقامات فيتوجه نظرك دوما إلى من هو أرفع منك مقاما فيه، على حد الغبطة لا الغل والحسد فتشكر لكل ساع في نصرة هذه الملة سعيه، وكم يرى الإنسان من أناس قد اختصهم الله، عز وجل، بجملة من الفضائل، لا سيما المتعدية إلى الغير فهي من أشرف الأعمال، لغفلة كثير منا عنها، فمفهوم التدين الفردي قد غلب عل كثير من المسلمين فلم يعد أمر المسلمين يعني كثيرا من المسلمين!، وإن كانوا صالحين في أنفسهم، فغاية أمرهم الطاعات اللازمة للنفس، وإن تعدى صلاحهم إلى غيرهم فتعد محدود لا يخرج عن نطاق الأسرة أو الحي .......... إلخ من الدوائر الضيقة التي هي عند التدبر والنظر: فرع عن النظرة العصبية التي ضيقت آفاق كثير منا فطالما كان أهل بيتي أو محلتي أو بلدي في خير وسعة، فلا مبرر للقلق!، وإن وقع فقلق سلبي على حد مص الشفاه دون أي تحرك إيجابي نافع لنصرة المسلمين ولو بدعاء أو صدقة ........ إلخ من الأعمال التي يطيقها عامة المكلفين فلا تتطلب كبير مجهود، وإنما هو قعود عن العمل لفساد في العلم بتقييد دائرة الولاية الشرعية بأوصاف أهملها الشرع بل حذر منها لما يتولد عنها من مفاسد تحل عرى الأخوة والمحبة الشرعية في قلوب المؤمنين وتحكم بدلا منها عرى الفرقة والبغض لأتفه الأسباب كما هو مشاهد في كثير من مجتمعاتنا لغياب التصور الإيماني الصحيح الذي لا يكتمل إلا بامتثال أمر النبوة الخاتمة، أمر: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).

والشاهد أن الإنسان يرى ذلك من أولئك الأفاضل الذين يتعدى نفعهم إلى غيرهم على وجه يثير الإعجاب والدهشة أحيانا من علو هممهم في مقابل تقصيره لضيق الدائرة التي قد حصر نفسه فيها اختيارا أو حُصر فيها اضطرارا، فلكل ما يشغله، ولكل عذره لا سيما في الأعصار المتأخرة التي أصاب شؤم معاصينا بركة أوقاتها في مقتل، فإذا رأى ذلك فإنه إن كان مسددا فسيدعو لهم ويساعدهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويغبطهم عله ينال يوما درجتهم إن يسر الله، عز وجل، له من أسباب الطاعة ما يسر لهم، وذلك رزق كرزق الأبدان بل هو أشرف منه مع غفلة كثير منا عنه والتفاتنا جملة وتفصيلا إلى رزق الأبدان التالفة بعد حين!، وذلك جار على ما تقدم مرارا من فساد التصور العلمي الذي ينتج أحكاما في غاية الفساد في الخارج.

وفي أمر الدنيا: أن ترضى النفس بما قد قسم لها من رزق يبلغها مأمنها دون إفراط أو تفريط، فيكون النظر دوما متوجها إلى من هو دونها فذلك توفير لجند القلب، فلا تستهلك قواها في معارك التنافس على الدنيا التي تولد ولا بد غيرة وحسدا، هو الذريعة إلى فساد ذات البين: مراد الشيطان الأول، وإذا كان ذلك مرذولا في التنافس على دنيا تتطلع إليها الأنظار من أموال ورياسات ونساء وبنين، فكيف إذا كان التنافس في دنيا تتقاذفها الأرجل والأيدي ركلا؟!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير