تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 11 - 2009, 08:41 ص]ـ

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض الذب عن أبي سليمان رحمه الله:

"وبهذا وغيره يعلم أن الشيخ أبا سليمان كان أجل من أن يقول مثل هذا الكلام فإن الشيخ أبا سليمان من أجلاء المشايخ وساداتهم ومن أتبعهم للشريعة حتى أنه كان يقول: "إنه ليمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين الكتاب والسنة".

فمن لا يقبل نكت قلبه إلا بشاهدين يقول مثل هذا الكلام؟!

وقال الشيخ أبو سليمان أيضا: "ليس لمن ألهم شيئا من الخير أن يفعله حتى يسمع فيه بأثر فإذا سمع فيه بأثر كان نورا على نور". بل صاحبه أحمد بن أبي الحواري كان من أتبع المشايخ للسنة فكيف أبو سليمان؟!

وتمام تزكية أبي سليمان من هذا الكلام يظهر بالكلام في المقام الثاني وهو قول القائل كائنا من كان: "الرضا أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذه من النار". ونقدم قبل ذلك مقدمة يتبين بها أصل ما وقع في مثل هذه الكلمات من الاشتباه والاضطراب وذلك أن قوما كثيرا من الناس من المتفقهة والمتصوفة والمتكلمة وغيرهم ظنوا أن الجنة ليست إلا التنعم بالمخلوق من أكل وشرب ولباس ونكاح وسماع أصوات طيبة وشم روائح طيبة ولم يدخلوا في مسمى الجنة نعيما غير ذلك". اهـ

"الاستقامة"، ص385، 386.

ثم حكى أقوال أصحاب المقالات في رؤية الرب، حل وعلا، في معرض التنبيه على تلك اللذة التي غفل عنها من غفل ممن حقر نعيم الجنة إذ لم يتصور منه، كما تقدم، إلا الشهوات التي يفرط أصحابها في تعاطيها في دار الابتلاء، فمنهم من أنكر الرؤية رأسا كالمعتزلة والجهمية، ومنهم من أثبتها وجعلها من قبيل الكشف أو زيادة العلم كما يحكى عن الفخر الرازي، رحمه الله، ومنهم من أثبتها ولم يثبت التنعم بها لعدم المناسبة بين الرب الأزلي والعبد الحادث وهو قول إمام الحرمين أبي المعالي، رحمه الله، وقد تبعه على ذلك ابن عقيل صاحب "الفنون"، رحمه الله، وهي شبهة عرضت للمتكلمين في صفات كالمحبة إذ كيف يحب الرب، جل وعلا، العبد، وجنس الربوبية لا يناسب جنس العبودية فلا تتصور محبة عندهم إلا بين فردين متناسبين من جنس واحد، والرب، عز وجل، ليس كمثله شيء، فلا ند له ولا نظير، وذلك أمر يرده الشرع والعقل، إذ قد ثبتت محبة الله، عز وجل، لعباده محبة تليق بجلاله في جملة متكاثرة من نصوص التنزيل، والعقل، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين في شرح له على الواسطية، لا ينكر محبة الفرد لشيء ليس من جنسه، فيحب الإنسان كتابا بعينه فيطالعه باستمرار، والكتاب ليس من جنسه الحساس المتحرك، ويحب رداء بعينه فيلبسه باستمرار، والرداء ليس من جنسه ........... إلخ من المحبوبات التي لا يشترط في جواز محبتها ما تحكموا باشتراطه من المناسبة والملاءمة بين المتحابين.

فإذا كان ذلك متصورا في حق المخلوق، فتصوره في حق الرب، جل وعلا، ثابت من باب أولى، فتلك من المواضع التي يصح فيها استعمال قياس الأولى لورود النص بالصفة التي يشترك فيها الخالق عز وجل والعبد اشتراكا معنويا في أصلها الكلي المطلق في الذهن، دون وجودها الجزئي خارجه، فليس ثم خارج الذهن إلا رب متصف بكمال الذات والأسماء والصفات والأفعال، وعبد متصف بضد ذلك إظهارا لكمال وغنى مقام الربوبية في مقابل نقص وفقر مقام العبودية.

وذكر الجويني، رحمه الله، قولا حاول فيه التوسط فلم يستطع، فقال بخلق لذة مقارنة لرؤية الباري، عز وجل، دون أن يكون في ذات الرؤية لذة!، وهذا أمر ينكره الشرع والحس أيضا، وفيه من التحكم وتحجير الواسع ما لا يخفى بل فيه حل لعرى الهمم التي أحكمت طلبا لتلك اللذة العظمى فإذا بها ليست على حقيقتها وذلك تثبيط عظيم للنفوس التي نهضت طلبا لمثل هذا المطلب الجليل.

ومثله إنكارهم حب العبد لله، عز وجل، فقد أولوه إلى محبة العبد للطاعة لا لله، عز وجل، فالرب، جل وعلا، عندهم، لا يُحِب ولا يُحَب لما اطرد عندهم من عدم المناسبة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير