تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال ابن تيمية، رحمه الله، بعد استعراض تلك الأقوال بشكل موجز مستوف لم يستغرق بضعة أسطر فيها من التركيز والدقة والإلمام بمقالات الفرق في هذه المسألة ما اطرد من صنيع الشيخ رحمه الله في تلك المضائق، قال بعدها في معرض حكاية مقالة أهل الحق المحض في تلك المسألة الجليلة:

"وأكثر مثبتي الرؤية يقرون بتنعم المؤمنين برؤية ربهم وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها ومشايخ الطريق كما جاء في الحديث الذي رواه النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين". اهـ

وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة ناد مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه.

وكلما كان الشيء أحب كانت اللذة بنيله أعظم وهذا متفق عليه بين السلف والأئمة ومشايخ الطريق كما روي عن الحسن البصري أنه قال: "لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت نفوسهم في الدنيا شوقا إليه" وكلامهم في ذلك كثير ............. والذي دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وجميع مشايخ الطريق أن الله يحِب ويحَب ولهذا وافقهم على ذلك من تصوف من أهل الكلام كأبي القاسم القشيري وأبي حامد الغزالي وأمثالهما ونصر ذلك أبو حامد في الإحياء وغيره وكذلك أبو القاسم ذكر ذلك في "الرسالة" على طريق الصوفية كما في كتاب أبي طالب المكي المسمى بقوت القلوب". اهـ

بتصرف من: "الاستقامة"، ص388_390.

فالقول بأن العبادة ما كانت شوقا إلى الجنة أو خوفا من النار: دعوى عريضة فيها من التعدي ما فيها، إذ لازمها إبطال ركني: الرجاء وما يتبعها من الرغبة المتعلقة بآثار أوصاف جمال الرب جل وعلا، والخوف وما يتبعه من الرهبة المتعلقة بآثار أوصاف جلال الرب جل وعلا، فلم يبق إلا المحبة!، ولا يكون سير صحيح إلى الله، عز وجل، إلا بـ: محبة تولد في القلب إرادة صالحة تظهر آثارها على أحواله وأحوال الظاهر قولا وعملا لزوما لا انفكاك فيه، فينشأ عنها رجاء فيما عنده من أجناس اللذة في دار المقامة، وخوف على فواتها أو أن يناله ضدها من آثار أوصاف جلال الرب، جل وعلا، من شدة العقاب وألم العذاب.

فتلك دعاوى يلزم منها الطعن في مقام السابقين الأولين، فأصحابها يدعون لأنفسهم ما لم يبلغه رجال القرون الفاضلة، وما ضرهم ذلك، إذ ليس الكمال في تلك الدعاوى، بل لازمها عند التدبر والنظر: نقصان حال مدعيها، لفساد طرأ على علمه أو عجب طرأ على عمله، فظن أنه أهل لما يدعيه، وغايته أن يكون من أهل الفضل الذين لم تضمن لهم العصمة فلا يسلم لهم في كل قول أو حال، بل ما وافق التنزيل قبل، وما خالفه رد واعتذر عن صاحبه إن كان ممن غلبت حسناته سيئاته، فلا يضر الماء الكثير يسير خبث، وليس للخلف وإن بلغوا ما بلغوا معشار ما للسلف من الفضل فهم الذين أحكموا أصول ما شغل الخلف بأطرافه، كما ذكر ذلك ابن أبي العز شارح الطحاوية رحمه الله، فعلموا بلا تكلف، وعملوا بلا تخلف، فصدقت الأفعال الأقوال بلا دعاوٍ عريضة أو عبارات مستغلقة تحتمل أوجه بل وجوها، فيعتذر لأصحابها بتكلف الوجه الأمثل إحسانا للظن بأصحابها، على ما تقدم بيانه، فكيف تعارض نصوص السلف القطعية بظواهر أقوال الخلف الظنية التي ضل من ضل بحملها على أوجه فاسدة، فأي الفريقين أحق بالأمن؟!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير