تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 12 - 2009, 08:59 ص]ـ

وعن بيعة الأنصار، رضي الله عنهم، يقول، رحمه الله، في موضع تال:

"فالنبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة وكان الذين بايعوه من أفضل السابقين الأولين الذين هم أفضل من هؤلاء المشايخ كلهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ولأصحابك قال: أشترط لنفسي أن تنصروني مما تنصرون منه أنفسكم وأهليكم وأشترط لأصحابي أن تواسوهم قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟. قال: لكم الجنة قالوا: امدد يدك فوالله لا نقيلك ولا نستقيلك وقد قالوا له في أثناء البيعة: إن بيننا وبين القوم حبالا وعهودا وإنا ناقضوها.

فهؤلاء الذين بايعوه هم من أعظم خلق الله محبة لله ورسوله وبذلا لنفوسهم وأموالهم في رضا الله ورسوله على وجه لا يلحقهم فيه أحد من هؤلاء المتأخرين قد كان غاية ما طلبوه بذلك الجنة فلو كان هناك مطلوب أعلى من ذلك لطلبوه لكنهم علموا أن في الجنة كل محبوب ومطلوب بل وفي الجنة ما لا تشعر به النفوس لتطلبه فإن الطلب والحب والإرادة فرع عن الشعور والإحساس والتصور فما لا يحسه الإنسان ولا يتصوره ولا يشعر به يمتنع أن يطلبه ويحبه ويريده.

والجنة فيها هذا وهذا كما قال تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) وقال: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين). ففيها كل ما يشتهونه وفيها مزيد على ذلك وهو ما لم يبلغه علمهم ليشتهوه كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا باب واسع) ". اهـ

"الاستقامة"، ص397، 398.

فالجنة هي غاية كل عاقل فيها تحط رحال القلب والبدن، فتكتمل لها اللذات، كما تقدم، بل فيها ما لم تتصوره العقول فذلك لم تتعلق به الإرادة لعدم العلم به، فإن الإرادة: حكم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فما لم يتصوره الذهن ابتداء كيف يتعلق به حكم حب أو بغض؟!، وفي الجنة كلاهما، وذلك من تمام النعمة فيها، فقياسها على شهوات الدنيا بجامع الاشتراك المعنوي، قياس مع الفارق، فإن أهل الطريق قاسوا صورة كمال الاستمتاع في دار المقامة بسائر أجناس اللذات النفسية والبدنية في تكامل بديع هو فرع عن تكامل ملة الإسلام الخاتمة التي جمعت أغذية الروح وأغذية البدن في سلتها، قاسوا تلك الصورة التي هي غاية الكمال النفساني والبدني على صورة تعاطي الشهوات الحسية إلى حد الإفراط في دار الفناء، فنفرت النفوس أن يكون مراد النفوس الكبيرة: طعاما وشرابا ونكاحا، وكأن الطعام هو الطعام، والشراب هو الشراب، والنكاح هو النكاح لمجرد الاشتراك في المعنى الكلي المطلق، فضلا عما تقدم من غلطهم في مقابلة فعل من طلب حظ نفسه من شهوات الدنيا برد فعل الإعراض عنها بالكلية فمن الشهوانية إلى الرهبانية، أو من الأبيقورية إلى الرواقية كما وقع للأمة اليونانية، فإن تلك الفلسفات التجريدية ذات أصول وثنية إذ هي، كما تقدم في أكثر من موضع، ظاهرة إنسانية وإن اصطبغت بصبغة دينية من زهد وتنسك ..... إلخ فلا ينفك الإفراط في سلوك بشري عن تفريط يضاده، وغالبا ما يظهر ذلك جليا في مسائل الحس الظاهر من المطاعم والمناكح ..... إلخ، يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ثم إنه مما أوقع هؤلاء في هذا الغلط أنهم وجدوا كثيرا من الناس لا يسألون الله جلب المنافع ودفع المضار حتى طلب الجنة والاستعاذة من النار من جهة كون ذلك عبادة وطاعة وخيرا بل من جهة كون النفس تطلب ذلك فرأوا أن من الطريق ترك ما تختاره النفس وتريده وأن لا يكون لأحدهم إرادة أصلا بل يكون مطلوبه الجريان تحت القدر كائنا من كان وهذا هو الذي أدخل كثيرا منهم في الرهبانية والخروج عن الشريعة حتى تركوا من الأكل والشرب واللباس والنكاح ما يحتاجون إليه وما لا تتم مصلحة دينهم إلا به فإنهم رأوا العامة تعد هذه الأمور عبادة بحكم الطبع والهوى والعادة ومعلوم أن الأفعال التي تقع على هذا الوجه لا تكون عبادة ولا طاعة ولا قربة فرأى أولئك أن الطريق إلى الله ترك هذه الأمور لأنها من الطبيعيات والعادات فلازموا من الجوع والسهر والخلوة والصمت وغير ذلك مما فيه ترك الحظوظ واحتمال المشاق ما أوقعهم في ترك واجبات ومستحبات وفعل مكروهات ومحرمات وكلا الأمرين غير محمود ولا مأمور به ولا طريق إلى الله: طريق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير