المفرطين الذين فعلوا هذه الأمور المحتاج إليها على غير وجه العبادة والقربة إلى الله وطريق المعتدين الذين تركوا هذه الأفعال بل المشروع أن تفعل بنية التقرب إلى الله وأن يُشكر الله.
قال تعالى: (كلوا من الطيبات واعملوا صالحا)، وقال تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله). فأمر بالأكل والشكر فمن أكل ولم يشكر كان مذموما ومن لم يأكل ولم يشكر كان مذموما.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك".
وفي الصحيح أيضا: أنه إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة.
فكذلك الأدعية هب أن من الناس من يسأل الله جلب المنفعة له ودفع المضرة عنه طبعا وعادة لا شرعا وعبادة فليس من المشروع لي أن أدع الدعاء مطلقا لأجل تقصير هذا وتفريطه بل أفعله أنا شرعا وعبادة". اهـ
"الاستقامة"، ص408_410.
فذلك شعبة من قول من يحتج على بطلان الحق بسلوك قطاع الطريق إليه ممن أظهروا الانتساب إليه برسم الديانة وهم أبعد الناس عنه، وبسلوك أصحابه عموما فقد فرطوا في كثير من أحكامه لا سيما أحكام الدرهم والدينار التي تفضح أخلاق صاحبها حسنا أو قبحا، فمن نظر إلى الحال دون المقال صد عن السبيل، ومن سدده الله، عز وجل، فنظر في الحق دون رجاله المنتسبين إليه فهو على السبيل، إذ المقالة في غاية الاستقامة وإن كان أصحابها في غاية الانحراف.
قكذلك الأمر في مباشرة الدعاء جلبا ودفعا، فإن دعا الناس طلبا لحظ الدنيا العاجل، فليدع العاقل طلبا لحظ الآخرة الآجل، فهو خير وأبقى.
وحتى اللذات العلمية التي تتعلق بها الأرواح لا تستوي في الدارين، فإن معرفة الله، عز وجل، في دار الابتلاء لا تتعدى مرتبة اليقين، كما تقدم، بخلاف رؤيته، عز وجل، فهي تأويل تلك المعرفة في أعظم صورها التي يطيقها المخلوق إذ لو أدرك من كمال الرب، جل وعلا، بالنظر إلى وجهه، وسماع صوته، ما أدرك: ما أحاط بكماله، فذلك من المحال الذاتي، فلا تعلق لقدرة به، وإنما يكون ذلك فرقانا بين الرب، جل وعلا، وخلقه، فلا بد من قدر فارق، في الكمال، وإن بلغ البشر في دار المقامة منتهاه فإنه لا يعدو أن يكون كمالا مخلوقا هو أثر من آثار صفات الرب، جل وعلا، إذ هو خالقه بقدرته واهبه برحمته، فلا يستوي الخالق الفاعل بصفاته، والمخلوق المفعول الذي هو أثر صفاته، فعلم من ذلك أن سؤال الله، عز وجل، الجنة لا ينافي الرضا، بل هو عين الرضا بأمره امتثالا فهو الذي أمرنا بسؤاله الجنة، فرضي لنا أن نظهر الافتقار باطنا وظاهرا له، ورضي لنا هيئات لا تنفك عن طلب حظوظها فذلك من الفقر الذاتي الملازم لها، فهي مفتقرة على الدوام إليه، ولو في دار الخلد فإن خلدها بتخليده لها، لا بخلود ذاتي فيها فإن ذلك ينافي ما جبلت عليه من التغير والفساد، فإذا شاء الرب، جل وعلا، نزع منها ذلك الوصف، فصارت أهلا للبقاء بإبقائه لها، فالعبد لا يستغني عن الرب، جل وعلا، في أي طور من أطواره، وفي أي حال من أحواله، فلربه، عز وجل، عليه حق في كل طرفة، ففي السراء حق بالشكر، وفي الضراء حق بالحمد، وفي تناول المباح حق بالتسمية ابتداء والحمد انتهاء ......... إلخ.
ولا تنفك نفس عن طلب لمطلوب تسعى إليه، فلا ترضى حتى تناله، وإنما تتفاوت النفوس في مطلوباتها تبعا لتفاوتها في أقدارها على حد قول أبي الطيب:
وحيد من الخلان في كل بلدة ******* إذا عظم المطلوب قل المساعد
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥