تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فلما رضي أعد الجنان لأوليائه فرضيها لهم مقاما في جواره، فكيف لا يطلب العبد ما ارتضاه الرب، جل وعلا، له من المقام الكريم في دار النعيم بزعم أن مراده أعظم من ذلك؟!، وهل مراد أعظم من مراد الأنبياء عليهم السلام، وهم الأسوة في أمور الديانات؟!، وهل مراد أعظم مما جعله الله، عز وجل، مستقر رحماته المخلوقة من أجناس النعيم الأبدي، فدعا الناس إلى سؤاله بل جعل ذلك من الدعاء الواجب أو المستحب، فكيف يكون مفضولا مع ندب الرب، جل وعلا، عباده لسؤاله، ويكون غيره مما ادعاه أحد أئمة الطريق في لحظة وجد يختل فيها ميزان الشرع غالبا، هو الفاضل؟!، ولو وكل الأمر في الديانة إلى العقول والأذواق فلكل عقل يشتهي ولكل ذوق يلتذ، فتتنوع الأحكام التكليفية بتنوع الأهواء والمواجيد، وذلك طريق سلكه النصارى قبلنا فصار دينهم من التباين بمكان فلا تستطيع، كما يقول بعض المحققين من أهل العلم، أن تحكي لهم شريعة ثابتة، فكل يحكم وينسخ ما شاء، وإن وصل ذلك إلى جوهر الديانة كما وقع من جان بول الذي برأ اليهود من دم المسيح، عليه السلام، في نقض صريح، كما يقول بعض الفضلاء عندنا، لألفي سنة من الإيمان المسيحي، فإن سعي يهود في دم المسيح، عليه السلام، أمر قد تواتر ذكره عند كل المنتسبين إلى الرسالات السماوية، مع التباين في أمر الصلب وهو الذي صير من آمن بوقوعه إلى غلو أخرجه عن حد النقل والعقل والفطرة والحس وما شئت من الحدود، وصير من أنكره وآمن برفع المسيح عليه السلام أهلا للاتصاف بالعقل ابتداء، حتى يصير أهلا للإسلام انتهاء، فلا يرتجى ممن غيب عقله فأنزل نفسه منزلة المجنون مع سلامة آلة الفهم، لا يرتجى منه هداية وإن خوطب بالتكليف لسلامة الآلة إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، هدايته: هداية كونية فلا راد لقضائه الكوني النافذ.

وكل من خالف الشرع في صغير أو كبير فله من هذا الوصف نصيب يقل أو يكثر تبعا لصغر أو كبر مخالفته. فكلما كان العقل أكمل كان الالتزام بالشرع أتم، وكلما كانت الفطرة أصح كان الالتزام بالشرع أقوى، فإن هذا الدين: دين المعقول والمفطور الصحيح فلا يجد معتنقه غضاضة عقلية أو فطرية من أخباره الغيبية وأحكامه الشرعية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 12 - 2009, 08:53 ص]ـ

ولبيان ذلك أكثر، أشار ابن تيمية، رحمه الله، إلى حد الرضا في سبيل الله أو: الرضا الشرعي المأمور به لا الرضا بكل موجود ولو كان فيه سخط الرب، جل وعلا، كما ادعى ذلك من ادعى من أرباب الطريق الذين غلوا في شهود الحقيقة الكونية وجفوا في شهود الحقيقة الشرعية، أشار إلى هذا الحد بقوله:

"الراضي لا بد أن يفعل ما يرضاه الله وإلا فكيف يكون راضيا عن الله من لا يفعل ما يرضاه الله وكيف يسوغ رضا ما يكرهه الله ويسخطه ويذمه وينهى عنه ........... فمن رضي بكفره وكفر غيره وفسقه وفسق غيره ومعاصيه ومعاصي غيره فليس هو متبعا لرضا الله ولا هو مؤمن بالله بل هو مسخط لربه وربه غضبان عليه لاعن له ذام له متوعد له بالعقاب.

وطريق الله التي يأمر بها المشايخ المهتدون إنما هي الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته فمن أمر أو استحب أو مدح الرضا الذي يكرهه الله ويذمه وينهى عنه ويعاقب أصحابه فهو عدو لله لا ولي لله وهو يصد عن سبيل الله وطريقه ليس بسالك لسبيله وطريقه". اهـ

بتصرف من "الاستقامة"، ص401، 402.

فتلك من المزالق التي وقع فيها من وقع من النساك الذين جعلوا الإرادة نوعا واحدا: شرعيا مرادا للرب، جل وعلا، ولو كان الفعل قبيحا قد نهى عنه شرعا، فاستحسنوا الحسنة من المحسن، وهذا موافق للشرع، واستحسنوا السيئة من المسيء، وهذا ناقض للشرع!، فقعدوا عن جهاد أعداء الملة ولو بالحجة والبرهان فضلا عن تكبد مشقة جهادهم بالأبدان، وإن كان كلاهما من الشرف بمكان، ولم تعد فيهم غيرة إيمانية تستنهض صاحبها لمقارعة خصوم الرسالة، إذ قد رضي فعلهم واستحسنه فوصل إلى مقام العارفين مقام: من لا ينكر منكرا لاستبصاره بسر القدر!، كما قال ابن سينا، فالكل عنده على حد سواء، فلا فرق بين الماء والخمر، والنكاح والسفاح ........ إلخ من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير