ويقابلها، لتخلف السبب من الطاعة بل وجود ضده من المعصية، متوالية: إذا عصى العبد: أبغضه الله، عز وجل، وإذا أبغضه سخط عليه، وإذا سخط عليه فقد هلك، فتلك المتوالية البدهية الثانية، وعلى تلك المتواليتين تجري سائر أفعال العباد الاختيارية التكليفية قبولا وردا.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان أقسام مراضي العبد بالنسبة إلى حكم الرب، جل وعلا، فيها حبا أو بغضا:
"وإذا كان الرضا الموجود في بني آدم منه ما يحبه الله ومنه ما يكرهه ويسخطه ومنه ما هو مباح لا من هذا ولا من هذا كسائر أعمال القلوب من الحب والبغض وغير ذلك كلها ينقسم إلى محبوب لله ومكروه لله ومباح فإذا كان الأمر كذلك فالراضي الذي لا يسأل الله الجنة ولا يستعيذه من النار يقال له: سؤال الله الجنة واستعاذته من النار إما أن تكون واجبة وإما أن تكون مستحبة وإما أن تكون مباحة وإما أن تكون محرمة وإما أن تكون مكروهة ولا يقول مسلم إنها محرمة ولا مكروهة وليست أيضا مباحة مستوية الطرفين ولو قيل إنها كذلك ففعل المباح المستوي الطرفين لا ينافي الرضا إذ ليس من شرط الراضي أن لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفعل أمثال هذه الأمور فإذا كان ما يفعله من هذه الأمور لا ينافي رضاه أينافي رضاه دعاءٌ وسؤالٌ هو مباح؟!.
وإذا كان الدعاء والسؤال كذلك واجبا أو مستحبا فمعلوم أن الله يرضى بفعل الواجبات والمستحبات فكيف يكون الراضي الذي هو من أولياء الله لا يفعل ما يرضاه الله ويحبه بل يفعل ما يسخطه ويكرهه وهذه صفة أعداء الله لا أولياء الله.
والقشيري قد ذكر هذا في أوائل باب الرضا فقال: اعلم أن الواجب على العبد أن يرضى بقضاء الله الذي أمر بالرضا به إذ ليس كل ما هو بقضائه يجوز للعبد أو يجب على العبد الرضا به كالمعاصي وفنون محن المسلمين".
"الاستقامة"، ص402، 403.
فلا بد في هذا المقام من التمييز بين صفة أولياء الحق الذين اتسعت قلوبهم لشهود الحقيقة الشرعية امتثالا، والحقيقة الكونية صبرا واحتسابا، وأولياء الزور الذين حلوا عرى الملة بزعم شهود الحقيقة الكونية!، فوقعوا في أجناس من الموبقات، وبعضهم تعدى ذلك فوقع في أجناس من الكفريات، كما جرى لأصحاب مقالة الحلول والاتحاد الذين فنوا بذواتهم، على حد زعمهم، في ذات الله، عز وجل، ولو كانوا صادقين لأفنوا ذواتهم في سبيل الله، عز وجل، في تحصيل مراضيه، ففنوا بطاعته عن معصيته، وبمجاهدة أعدائه عن القعود امتثالا لحكم القدر زعموا!. ولو كانوا صادقين لامتثلوا حكم القدر الشرعي وصبروا على حكم القدر الكوني، ولكنهم جعلوا القدر نوعا واحدا لا يقبل الانقسام، على وزان ما فعلوا في الإرادة التي صيروها واحدة لا تقبل التجزئة إلى شرعية وكونية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ويقول في موضع تال في بيان أقسام الدعاء:
"دعاء العبد لربه ومسألته إياه ثلاثة أنواع:
نوع أُمِر به العبد إما أمر إيجاب وإما أمر استحباب مثل قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) ومثل دعائه في آخر الصلاة كالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به أصحابه فقال: "إذا قعد أحدكم في التشهد فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال"، فهذا دعاء أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يدعوا به في آخر صلاتهم وقد اتفقت الأمة على أنه مشروع يحبه الله ورسوله ويرضاه وتنازعوا في وجوبه فأوجبه طاووس وطائفة وهو قول في مذهب أحمد والأكثرون قالوا: هو مستحب.
والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها أو يعلم أصحابه أن يدعوا بها لا تخرج عن أن تكون واجبة أو مستحبة وكل واحد من الواجب والمستحب فالله يحبه ويرضاه ومن فعله رضي الله عنه وأرضاه فهل يكون من الرضا ترك ما يحبه ويرضاه؟
ونوع من الدعاء ينهى عنه كالاعتداء في الدعاء مثل أن يسأل الرجل ما لا يصلح له مما هو من خصائص الانبياء وليس هو بنبي .......... فهذا ونحوه جهل بالله واعتداء في الدعاء وإن وقع في نحو ذلك طائفة من الشيوخ ................. فهذه الأدعية ونحوها منهى عنها.
ومن الدعاء ما هو مباح كطلب الفضول التي لا معصية فيها.
¥