فيجب أن نجتمع في عرض اختلافنا على كتاب الله حتى في مسائل الفقه إذا اختلفنا في شيء نعرضه على الأدلة فمن شهد له الدليل صرنا معه ومن أخطأ الدليل فإننا لا نأخذ بالخطأ
إن الله – جل وعلا – لم يتركنا نختلف ونتفرق دون أن يضع لنا ميزانا بين الصحيح من الخطأ بل وضع لنا القرآن والسنة (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) يعني القرآن (وَالرَّسُولِ) يعني السنة , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي
فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم موجود بيننا بوجود السنة مدونة ومصححة وموضحة وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أنه لم يتركها في متاهة بل تركها وعندها ما يدلها على الله سبحانه وتعالى ويدلها على الصواب أما الذي لا يريد الحق ويريد أن كل واحد يبقى على مذهبه وعلى نحلته ويقول: نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. هذا لا شك أنه كلام باطل
فالواجب أن نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله وما اختلفنا فيه نرده إلى كتاب الله وسنة رسوله , لا يعذر بعضنا بعضا ونبقى على الاختلاف بل نرده إلى كتاب الله وسنة رسوله وما وافق الحق أخذنا به وما وافق الخطأ نرجع عنه هذا هو الواجب علينا فلا تبقى الأمة مختلفة وربما يذكر الذين يدعون إلى البقاء على الاختلاف حديث اختلاف أمتي رحمة وهذا الحديث يروى ولكنه ليس صحيحا
الاختلاف ليس رحمة الاختلاف عذاب
قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) فالاختلاف يشتت القلوب ويفرق الأمة ولا يمكن للناس إذا صاروا مختلفين أن يتناصروا ويتعاونوا أبدا بل يكون بينهم عداوة وعصبية لفرقم وأحزابهم ولا يتعاونون أبدا
إنما يتعاونون إذا اجتمعوا واعتصموا بحبل الله جميعا وهذا هو الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا و يكره لكم ثلاثا فيرضى لكم: أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و أن تناصحوا من ولاه الله أمركم. هذه الثلاث يرضاها الله لنا والشاهد منها قوله: وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وليس معنى هذا أنه لا يوجد اختلاف ولا يوجد تفرق
طبيعة البشر وجود الاختلاف ولكن معنى هذا أنه إذا حصل اختلاف أو تفرق يحسم بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وينتهي النزاع وينتهي الاختلاف , هذا هو الحق
وليس تحكيم القرآن أو تحكيم السنة مقتصرا على مسألة النزاع في الخصومات بين الناس في الأموال حيث يسمون الحكم بما أنزل الله أنه الحكم بين الناس في أموالهم ونزاعاتهم في أمور الدنيا فقط
لا بل هو الحكم بينهم في كل اختلاف وكل نزاع والنزاع في العقيدة أشد من النزاع في الأموال والنزاع في أمور العبادات وأمور الحلال والحرام أشد من النزاع في الخصومات في الأموال إنما الخصومات في الأموال جزء أو جزئية من الاختلاف الذي يجب حسمه بكتاب الله عز وجل
والصحابة رضي الله عنهم كان يحصل بينهم خلاف لكن سرعان ما يرجعون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فينتهي اختلافهم ......
" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " النور ....
فلا يسع المؤمنين أن يبقوا على اختلافهم في جميع الاختلافات لا في الأصول ولا في الفروع كلها تحسم بالكتاب والسنة وإذا لم يتبين الدليل مع أحد المجتهدين وصار لا مرجح لقول أحدهم على الآخر ففي هذه الحالة لا ينكر من أخذ بقول إمام معين ومن ثم قال العلماء لا إنكار في مسائل الاجتهاد أي المسائل التي لم يظهر الدليل فيها مع أحد الطرفين ......
قوله: " وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه .. "
قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى
أي لا يصير كل واحد له دين لأن الدين واحد ليس فيه تفرق
قوله: " ويزيده وضوحًا ما وردت به السنة .. "
¥