تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كي لا نشرب شاينا بنكهة البول]

ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[20 - 10 - 2010, 05:33 م]ـ

كي لا نشرب شاينا بنكهة البول ...

بقلم: ياسر خيرالله

قرأت قبل فترة بأن إحدى الخادمات الفلبينيات في البحرين قد بالت في إبريق الشاي وقدمته لأولاد مستخدميها الذين شربوه مستمتعين بتلك النكهة الجديدة، ورغم أن الأطفال لم يصبهم شيء حسب الصحيفة التي نشرت هذا الخبر، إلا أن السلطات في البحرين حكمت على هذه الآسيوية البائسة بالسجن لستة أشهر.

لا أدري بالضبط في أي مرحلة من مراحل تاريخنا بدأنا في الاعتماد على الآخرين من أجل إنجاز أعمالنا ابتداءً من تحضير الشاي وانتهاءً بفك الحصار عن أوطاننا، البعض يقولون بأن العرب والمسلمين تخلوا عن أي واجب عليهم مع بداية آذار من عام 1193 ميلادي أي بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي إلا أن الكثير يؤكد بأن المرة الأولى التي جلس فيها العربي في خيمته واتكأ على وسادته ونسي العمل إلى الأبد كانت بتاريخ 14 شباط من عام 1945 يوم حلف علينا الأمريكيون على سطح الطرادة كوينسي ألف يمين ويمين بأن ندع لهم الأعمال القذرة ليتولوا بأنفسهم مهمة استخراج الزيت الأسود لنا.

ولأننا شعوب مغرمة بالدلال، ولأن الغرب وخاصة أصدقاءنا الأمريكيين مغرمين بتدليلنا فقد حلفوا اليمين تلو اليمين فبعد أن ساعدونا في التخلص من العثمانيين، قسّموا لنا بلداننا بأنفسهم، ووزعوها علينا بالعدل والمساواة، حفروا لنا آبار النفط واستخرجوه لنا، حلّوا النزاع بيننا وبين عصابات المهاجرين من الهاغانا والأرغن والشتيرن، وتحملوا أعباء كل المهجَّرين والنازحين والمبعدين والمقهورين والمظلومين الفلسطينيين فأقاموا لنا الهيئات والمؤسسات والرباعيات والسداسيات، أمدونا بالسلاح والميليشيات وحشوا أوطاننا بالطوائف والقوميات دعمونا في مواجهة الخطر الشيوعي على العرب، ثم دعمونا في مواجهة الخطر الفارسي على العرب، ثم دعمونا في مواجهة الخطر العربي على العرب، ناهيك عن جهودهم الجبارة في حمايتنا من خطر الإسلام والمسلمين على الإسلام والمسلمين.

حتى أنهم ولشدة خوفهم علينا وحرصهم على راحتنا انتقلوا بكامل عتادهم العسكري والسياسي والثقافي فأحضروا معهم جنودهم ودباباتهم وطائراتهم وقنابلهم وموتهم ومدارسهم ومناهجهم ومعارفهم وحضارتهم ولغتهم، وبدؤوا بإعادة كتابة مناهجنا المدرسية لكي تتواءم مع الحضارة والديمقراطية، والابتعاد بها عن التطرف والسلفية، بل حتى أنهم تكفلوا وعلى ذمة موقع الجزيرة بإحضار خبيرة أميركية يهودية أسندوا إليها مهمة إعادة النظر في مناهج التربية الدينية الإسلامية المقررة على الطلاب في المدارس الحكومية في مصر .. أفسدونا بدلالهم هؤلاء الأمريكيون.

أكثر الخدمات غرابة وطرافة والتي دأب أصدقاؤنا الأمريكيون على تقديمها خلال السنوات الخمسين الماضية لكل الشعوب العربية كانت زجاجة الكوكا كولا بشكلها الأنثوي المتميز وروحها الفوارة، ولفترة طويلة من الزمن كانت تلك الأمريكية الغازية، المقياس الأكثر دقة لمدى عمق الصداقة بين الأمريكان والعرب من جهة، والرمز الأكثر تعبيراً عن آلية عمل السياسة الإمبريالية الأمريكية من جهة أخرى، ولا أعتقد أن هناك حرباً سياسيةً كانت أكثر إبداعاً وأعظم انتصاراً بالنسبة لنا، من حرب الكوكاكولا التي خضناها في تلك الفترة مع صديقتنا الإمبريالية، إبداع لا يكمن في محافظة سياستنا ولسنوات طويلة على نظافة طاولات طعامنا من رموز الإمبريالية وعدم الرضوخ لهذه الماكينة الأمريكية الجبارة في بذر نمط الحياة الأمريكي بين أوساط المجتمع كمقدمة للغزو الاقتصادي، بقدر ما يكمن في لحظة السماح بدخول الكوكاكولا إلى بلدنا وعبورها حدودنا السياسية والإجتماعية بعد أن تم تفريغ المعنى من هذه الزجاجة من رمز للامبريالية إلى مجرد مشروب غازي بعلبة معدنية تقف بذلّ أمام منافساتها من الماركات المحلية الصنع والمنشأ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير