[كريم في الزمن الجميل (قصة)]
ـ[أبو مقرن]ــــــــ[09 - 12 - 2010, 06:18 م]ـ
أتيح لي أن ألمح ومضة من الزمن الجميل، وكانت تلك الومضة كافية لأن أرى خلالها بعض الوقائع التي تجعلني شاهدا على جزءا من ذلك الزمن بالسماع أو المشاهدة.
وهذا دور الشاهد يذكر ما رأى أو سمع.
كان مع قومه يسيحون في أرض الله الواسعة، يتتبعون مواضع القطر، ومنابت الكلأ، لم تكن تخضع تنقلاتهم للقوانين السياسية، ولم تكن تحد من تحركاتهم الحدود الدولية، كانوا والأرض حرة.
لم يكن في ملك أحدهم غير صِرمة من إبل هزال، وغنيمات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وشيء كثير من الإباء والرجولة. كانوا فقراء أموال، أغنياء مروءة.
كان من أوسطهم مالا، وأيسرهم حالا، إلا أنه كان يُبَخَّل، وربَّ كريم عند المعتدلين، بخيل عند الأكرمين.
كان في أقل مراتب الجود، لا يضنّ دائما بالحقوق، ولا يقصِّر كثيرا عن الواجب، ولا يتأخر عن قومه وحده، إلا أنه لم يكن ينافس على المراتب العليا للجود والكرم.
في أحد الأيام والحيُّ خلوف، صبَّح أحدُ الغُزاة الإبل واستاقها، وجاء الرجال بعد فإذا الإبل قد خلتْ مرحها، وسأل صاحبنا عن إبله تَعِلَّة، فكان الجواب ما يكره.
لقد رأى صاحبنا أن حرصه الذي كان يحوط إبله به لم يحطها، وأن ضنَّ نفسه بها لم يَفِرْها، وعلم أن الحزم ألا يفرط في حقٍّ حاضر، لسوء ظن بمستقبل غائب، ولأن الحوادث المفاجئة تصنع القرارات الراسخة؛ أقسم ألا يبخل أبدا.
لم ينم ليلته تلك من شدة عزمه، وعظم رغبته في بدء حياة جديدة، فبادر في صباح يومه الجديد بإبرار قسمه، فأوقد النار سحرا، وجلجل صوت الهاون يبعث في أصداء الحي روحا جديدة ليوم جديد.
وبدأ فعلا حياة جديدة، وأصبح أكرم قومه وأجودهم، واعتلى المرتبة العليا في الجود، وطارت شهرته بذلك، حتى سُمِّي "المُومِي" (المومئ) لأنه كان يخرج يتعرض الركبان يومئ لهم بردائه؛ لينزلوا ضيوفا عليه.
كان سرُّ تغيره وسرّ سعادته بحاله الجديدة أنه أحسن الظنَّ بالله، ووثق بجود الجواد الكريم، مع أنهم كانوا يعيشون جهلا بأمور الدين، إلا العقيدة، فإنها صافية نقية.
في أحد أيام الصيف، وليس إلا الشمس ترسل على الأرض صلي لهيبها، فتتوقد الأرض جمرة حمراء تحرق كل حياة على وجه الأرض، والحي قد فقدوا أعزَّ مفقود، لم يشعر صاحبنا إلا وركب قد يمموا بيته المتطرف في ناحية الحي ليكون على طريق الأضياف.
ولم يُحدث علمُه بخلو بيته والحيِّ كله من الماء (قوام كل شيء) حيرةً لديه، بل بادر إلى الركب بوجهه الكريم، وبشاشته الصادقة، وأنزلهم في بيته، وخرج خلف بيته، فجثا على ركبتيه، ورفع إلى السماء يديه، وقال:
"يا رب، هؤلاء ضيوفي، وأنا ضيفك"
"يا رب، هؤلاء ضيوفي، وأنا ضيفك"
لم يزد على ذلك، ثم قام ودخل، وما في سماء الصيف قَزَعَة، فما لبث هنيهة إلا وقد أرعدت فوقهم وانهمرت حتى سالت الغدران إلى داخل بيت الشعر فقاموا يحرفونها عنه.
ولما قضى حق ضيوفه كما يحب، قاموا ينظرون إلى السحابة فوجدوها لم تتعدَّ بيوت الحي!!
ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[09 - 12 - 2010, 08:09 م]ـ
كم نحتاج لمثله في هذا الزمن اشكرك على موضوعك المميز
ـ[أبو مقرن]ــــــــ[12 - 12 - 2010, 11:55 ص]ـ
كم نحتاج لمثله في هذا الزمن اشكرك على موضوعك المميز
حفظك الله أخي يحيى
الخير في أمة محمد إلى يوم القيامة.
شكرا لك على كرم مرورك.
ـ[ظلال عربية]ــــــــ[23 - 12 - 2010, 04:10 م]ـ
الشكر لما كتبته أستاذي الكريم،
وكما وصفتموه، فذلك هو الزمن الجميل الذي يندر مثيله في أيامنا.