تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(الهِمَمُ الخَسِيسَةُ لا تَصْنَعُ الأُمَمَ)

ـ[سلمان بن أبي بكر]ــــــــ[02 - 12 - 2010, 01:27 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

http://salahmera.com/ (http://salahmera.com/)

فضيلة الشيخ صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود - حفظه الله تعالى -

الهِمَمُ الخَسِيسَةُ لا تَصْنَعُ الأُمَمَ

http://salahmera.com/articles.php?action=show&id=49 (http://salahmera.com/articles.php?action=show&id=49)

لقد ابْتُليتْ الأمةُ بهممٍ خَسِيسَةٍ وطِبَاعٍ دَنِيَّةٍ مما أقعدها عنْ أنْ تَربُطَ حاضرَها بماضيها، ونبغتْ فيهم نابغةٌ؛ لا بالدنيا

أجادوا ولا بالآخرةِ شُغِلُوا، انْشَغلوا بالتافهِ من القولِ والعملِ حتى صارتْ أمةً غُثَائِيةً لا تَعرفُ من الآخرةِ إلا الاسمِ ولا من

الدنيا إلا الرَّسْمِ، فتداعى عليها عدُوُها من كلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ حتى شَبِعَ مما أكلَ وأكفأها حتى لا يُبْقِي لغيرِهِ فَضْلَهُ، بل

كَثُرَ فيها التافهُ من الرجالِ مع الرَجِلَةِ من النِّسَاءِ، وقد تأملتُ حديثينِ أخْشَى أنْ يكونَ آنَ أوانُهما وحلَّ بالأمةِ مَضْمُونُهما،

أولهما: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ

فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ" قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ يَا

رَسُولَ اللهِ قَالَ: "السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ"حديث حسن رواه أحمد.

والآخر: عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُوشِكُ أَنْ

تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ".

قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"حديثٌ حسنٌ رواهُ أحمدُ.

فالمُحَرِّكُ للخيرِ والشرِ القلبُ وما جَبُلَ عليه، فالهمةُ عملٌ قلبي، والقلبُ لا سُلْطَانَ عليه لغيرِ صاحبِهِ، وكما أنَّ الطائرَ

يَطيرُ بجَنَاحيه، كذلك المرءُ يَطيرُ بهمتِهِ، فَتُحَلِّقُ به إلى أعلى الآفاقِ، طليقةًً من القُيُودِ التي تُكَبِلُ الأجسادَ ..

ولذلك فلا عَودَ ولا رُجُوعَ لِعزِ هذهِ الأمةِ إلا بهمَمٍ تُنَاطِحُ السحابَ ورجالٍ ما عرفوا غَيرَ اللهِ.

نقل ابْنُ قُتَيبَةَ عن بعضِ كُتُبِ الحكمةِ: "ذو الهِمَّةِ إنْ حُطَّ، فنفسُهُ تأبى إلا عُلُوًا، كالشُعْلَةِ من النَّارِ يُصَوِّبُها صاحبُها، وتأبى

إلا ارتفاعًا".

ولا ينبغي أنْ يكونَ الفَاضِلُ من الرجالِ إلا مع الملُوكِ مُكرّمًا أو مع النُّسَّاكِ مُتَبَتِلًا، كالفيلِ لا يُحْسِنُ أنْ يُرى إلا في

موضعين: في البريَّةِ وحشيّا، أو للملوك مَرْكَبَا.

ويَندرُ أنْ تَجدَ إنسانًا استطاعَ أنْ يعلوَ بهمتِهِ، ويجمعَ شملَهُ ويُقْصِرَ من الاعتذاراتِ والشِّكَاياتِ, فتُصْبِحُ حياتُه مثلًا أعلى

يُحتَذي به, ولكنِ القليلُ هم الذين يَستثمِرُونَ هِمَمَهم حقَّ الاستثمارِ, ويُحاولونَ أنْ يَرْتَقُوا بأنفسِهِم حقَّ الارتِقَاءِ.

إنَّ تحقيقَ كثيرٍ مِن الأمورِ، مما يَعُدُّهُ الناسُ خيالًا لا يُتحقَقُ, يستطيعُ أصحابُ الهممِ بتوفيقِ اللهِ لهم أولا، وبهمتِهم ثانيًا,

إنجازَ الكثيرِ من الأعمالِ التي يَستعظِمُ بعضَها مَنْ قعدتْ به همتُهُ وظنَّها خَيالًا, وأعظمُ مثالٍ على هذا سيرةُ النبيِّ -

صلى الله عليه وسلم-؛ إذ المعروفُ عندَ أهلِ التَواريخِ أنَّ بناءَ الأُمَمِ يحتاجُ إلى أجيالٍ لتحقيقِهِ, لكنَّهُ عليه الصلاةُ

والسلامُ استطاعَ بِناءَ خيرِ أُمةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ في أقلَ من رُبُعِ قرنٍ من الزمانِ, واستطاعتْ هذِهِ الأمَّةُ أنْ تُنيرَ بالإسلامِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير