تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المسكين فلن تروج مقالتها المتهافتة إلا على جاهل مقلد، فحصلت المفاصلة بين دين الكنيسة والعلم، وكانت تلك بذرة العلمانية فالدين المبدل قد صار عقبة حقيقية في طريق التقدم المدني، لا سيما بعد ازدهار العلوم التجريبية التي حظرتها الكنيسة وضيقت على أصحابها لما أحدثته من زعزعة للإيمان الكنسي الذي ساد برسم التقليد في عصور الظلام، فلم يملك من أدوات الإقناع العقلي إلا الإرهاب الفكري بالحرمان وعدم الخلاص، ثم الإرهاب البدني، وتاريخ الحروب النصرانية في أوروبا ومحاكم التفتيش في الأندلس خير شاهد على ذلك.

ولذلك احتفى العقل الأوروبي بنظرية دارون فهي تقدم له مسكنا مؤقتا بما زعمته من تطور في الخلقة الظاهرة فقيست عليها الأديان والشرائع، وصار التطور هو: التغيير في الثوابت ولو إلى الأسوأ فمن نصرانية محرفة إلى علمانية ملحدة.

ويلاحظ أيضا:

التنسيق الكبير رغم الاختلافات العقدية الجوهرية، فذلك من تحالف: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)، وقد رضوا قبل ذلك بالتحالف مع من يزعمون أنه قتل المسيح عليه السلام، وهو الذي طعن فيه وفي عرض أمه البتول عليها السلام، بل ورضوا بأن يجعلوه في حل من دم المسيح المصلوب برسم الفداء المزعوم، وذلك نسخ لما لا يجوز نسخه من أصول العقائد العلمية، بغض النظر عن صحة المقالة أو بطلانها، فقد خالفوا بذلك أبسط قواعد الشرع والعقل، فتهمة الكذب لمن سبقهم من معظميهم الذين اتهموا يهود بتلك التهمة حتى صار ذلك من ضرورات الملة التي لا تجوز مراجعتها، تلك التهمة تهدم ما بقي في النفوس من إيمان بتلك المقالة المهترئة فناقلوها قد كذبوا في نقل خبر هو من صلب الديانة فكيف بما ينسب إليهم من أقوال في مسائل الإيمان والشرائع، وذلك التوسع قد عم العقائد والشرائع، كما تقدم، حتى صار عقل الكاهن هو مصدر التلقي لأتباعه فلا يجرؤ أحد على المعارضة ولو بحجة صحيحة، فإذا رضوا بالتحالف مع أولئك مع ما بينهم من العداوة المستحكمة حربا للإسلام وأهله فتحالفهم مع بعضهم وإن اختلفت طوائفهم برسم: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، ذلك التحالف جائز بل واجب من باب أولى بمقتضى سنة تحزب أهل الباطل لحرب الحق وأهله فهي مؤدية لسنة التدافع وهي، أيضا، سنة واجبة، فلا بقاء لهذا العالم إلا بتدافع الحق والباطل في ميادين الحجج والبراهين ثم لزوما في ميادين السيوف والأسنة، فمن رام التأليف بين الحق والباطل برسم التقريب بين الملل أو النحل فقد خالف مقتضى السنة الكونية والسنة الشرعية.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير