القاعدة الحادية عشرة الاختلاف قد يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد فحتى نحصر الخلاف في دائرته الضيقة، ينبغي أن يفرق بين اختلاف التنوع، واختلاف التضاد، ففي كثير من الأحيان ينصب الخلاف بين العالمين أو الفرقتين أو المذهبين، وعند التأمل نجد أن الاختلاف بينهم إنما هو اختلاف صوري، لا حقيقة له، وإنما اختلفت عبارة كل منهما عن الآخر، فظُن هذا الاختلاف نزاعًا.
ويقول أهل العلم: إن اختلاف التنوع سببه أحد أمرين:
الأول: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، ومن ذلك: اختلاف المفسرين في معنى الصراط المستقيم، فقيل: هو القرآن، وقيل الإسلام وقيل: السنة، وكل هذه المعاني صحيحة إذ لا تعارض بينها فهي من اختلاف التنوع.
والثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، ومن أمثلة ذلك: الاختلاف في صيغ الأذان والتشهد وأدعية الاستفتاح ونحو ذلك، فمثل هذه المسائل لا ينبغي أن تكون سببًا للنزاع والفرقة والمنابذة، لأن السنة قد جاءت بها جميعًا، فلا تثريب على المسلم فيما لو أخذ بأي صفة وردت.
فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب
-
ثالثا: أسباب اختلاف التضاد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " رفع الملام " (مجموع الفتاوى 20/ 231) وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع على أسباب متعددة:
السبب الأول: أن لا يكون الحديث قد بلغه
والسبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده
السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره
السبب الرابع: اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره
السبب الخامس: أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه، وهنا يرد في الكتاب والسنة
السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث
السبب السابع: اعتقاده أن لا دلالة في الحديث والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست صحيحة
السبب الثامن: اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل عل أنها ليست مراده
السبب التاسع: اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله إن كان قابلاً للتأويل بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق
السبب العاشر: معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً
فهذه الأسباب العشرة ظاهرة وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن عليها، فإن مدارك العلم واسعة ولم نطلع نحن جميع ما في بواطن العلماء ..... انتهى مختصراً.
رفع الملام عن الأئمة الأعلام
وبعد هذا العمل نسأل الله هداية وصلاحا لنا ولأمة الإسلام
ـ[الحزين المتفائل]ــــــــ[22 - 10 - 2010, 02:39 ص]ـ
أستاذتنا الفاضلة / بنت خير الأديان
وعدتِ فأوفيتِ.
كنت قد أكثرت عليكِ الإلحاح بالكتابة عن هذا الموضوع؛ و العلة ذكرتيها أنتِ بنفسك في ثناياه عندما أشرتِ إلى أن نزاعا عظيما و شقاقا كبيرا قد يحدث بين أبناء السنة و الجماعة، و السبب في
ذلك اختلاف يسير يمكن تفهمه و استيعابه.
بل إن كثيرا ممّن قلّ علمهم و ضاقت صدورهم أخذوا يخطّئون، بل يفسّقون و يبدّعون و يكفّرون عالما أو علماء أو طائفة لمجّرد اختلافٍ في مسألة فرعية لا تقتضي هذا التناحر!
زادكِ الله علما و فضلا، و شرح الله صدركِ للحق، و أنار قلبكِ باليقين، و رزقكِ اتباع سيّد المرسلين.
دام قلمكِ معلّما و موجّها،،،
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[22 - 10 - 2010, 02:24 م]ـ
بارك الله فيك أستاذة بنت خير الأديان
موضوع مهم
وللفائدة, فأول من أشار إلى التفريق بين اختلاف التنوع واختلاف التغاير -فيما وقفت عليه- الإمام ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن, وضرب شيخ الاسلام على ذلك أمثلة من تفسير السلف لبعض آي القرآن كما في كتابه مقدمة التفسير
ـ[بنت خير الأديان]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 09:11 م]ـ
شكر الله لكما
كثيرا ما تأتي الهمة بدفع من الآخرين
ودفعكم كان فيه خير كثير
بارك الله فيكما - الحزينَ وبندرَ