تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تصل إلى حد التعري التام فلماذا لا تصل إلى حال الستر التام؟!، فاضمحلت قيم المواطنة المزعومة مع هذا الاختبار البسيط، ثم لجأ إلى أصول فرنسا الكاثوليكية ليجيش مشاعر العداء ضد النقاب بوصفه مظهرا إسلاميا وذلك ناقض ثان لمدنية دولته، وهو أفحش من الأول فقد لجأ إلى عدو الدولة المدنية الأول: الدين ليضرب به تيارا دينيا متصاعدا في بلده، فلم يجد إلا الدين ليضرب به الدين لأنه المحرك الرئيس لمشاعر جمهور البشر إلا من ناقض فطرته كما تقدم من حال أصحاب نظرية الدولة المدنية، فهم مدنيون أكثر من الدول التي تطبق النموذج المدني بكفاءة أكبر ومع ذلك تفشل فيما نجح فيه أولئك!، فأي قائد يحترم شعبه لا بد أن يدعو الأقلية إلى احترام مشاعر الأكثرية، لئلا تضطرب الأحوال، وأي قائد لا يحترم نفسه فإنه يظلم الأقلية بسلب حقوقها ولو على منهاجه الوضعي، أو يمعن في ظلم الأكثرية إن كان للأقلية ركن تأوي إليه ممن يتحين الفرص للتدخل في شئون الدول الضعيفة ذات السيادة المنتهكة فيداهن لحفظ رياسته من الزوال وهي زائلة مهما طال أمدها وابتلي الناس بشؤمها.

فالمدنية لها خطوط حمراء حتى في الدول التي تتبناها فعلا لا شعارا زائفا، وقد تجاوز دعاتها في بلادنا خطوطها الحمراء، فمع بطلانها شرعا: فشل دعاتها في تطبيقها حتى صار احتجاج المعظمين للشرع عليهم بمبادئها من باب: من فمك أدينك، صار احتجاجا مقبولا سالما من المعارضة فليتهم يطبقون الباطل تطبيقا صحيحا!.

فلا يمكن أن يمثل ما يقل عن أربعين فردا نائب في البرلمان، ولا يمكن أن يكون سفير دولة إسلامية يهوديا لمجرد أنه من شروط الدولة المدنية: إشراك الكفار في المناصب العامة بالعافية!، فذلك رسم حسن النية وعدم التعصب والتمييز على أساس ديني في الدولة المدنية.

وفي بعض الدول الخليجية وصلت نسبة الكنائس إن لم تخني الذاكرة إلى: كنيسة لكل أربعة أو خمسة مواطنين، على طريقة شقة لكل مواطن!، وذلك، أيضا، من الإمعان في تقرير مبدأ الدولة المدنية بشكل فج مفتعل، وفي دول أخرى تقام دور عبادة لنحل تباين نحلة أهل السنة في أحياء سنية خالصة لا يوجد فيها فرد واحد يتبع تلك النحلة!.

والتجربة العثمانية كما حكى ذلك الفاضل الذي علق على الخبر: تجربة أليمة، فلقد اتشحت الدولة العثمانية برداء التسامح وأفرطت في إعطاء الامتيازات للكفار الأصليين لا سيما اليهود فماذا كانت النتيجة؟!: تسلم الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني، رحمه الله، آخر الخلفاء الأقوياء، تسلم قرار عزله على يد إيمانويل قره صوه اليهودي من أصل إسباني الذي رحل أجداده إلى تركيا وحظوا بعناية سلاطين آل عثمان في وقت كان الأندلسيون يعانون من نير محاكم التفتيش ولم يكن العثمانيون، مع عظيم كفايتهم في الجبهة الشرقية في أوروبا، لم يكونوا على نفس الكفاية في الجبهة الغربية حيث الأندلس المفقود مع أن ولاياتهم في شمال إفريقية كانت قاعدة مناسبة لانطلاق حركة جهاد وفتح كتلك التي انطلقت في شرق أوروبا حتى طرقت أبواب العاصمة النمساوية: فيينا.

وبعض الناس يدلل بتلك التجاوزات على سماحة الإسلام، وهو أمر قد يصح من جهة إلزام المخالف بتاريخ موثق، ولكنه لا يعني بالضرورة أن هذه الصورة من التسامح الزائد هي الصورة الشرعية المطلوبة، بل إنها كما تقدم قد تؤدي إلى رد فعل عكسي بظهور من يغلوا في الجانب الآخر فيروم ظلم الكفار الأصليين من أهل الكتاب بنزع كل حقوقهم وإباحة التعدي على أموالهم وحرماتهم ..... إلخ، فتلك طبيعة الأشياء فلا بد أن يستثير اللين والخنوع نفوسا ثائرة فيقع التعدي بالظلم فهو رد فعل السكوت المشوب بالذل، وكلا طرفي قصد الأمور ذميمُ، فخير الأمور ما اقتصد فيه برسم التوسط والاعتدال، ففي الشرع غنية، وفي ظل أحكامه تسكن ثائرة الموافق فلن يضطر إلى بذل التنازلات المهينة، ويأمن المخالف بأخذ حقه ولكنه ينزجر فلا يجرؤ على المطالبة بما زاد عن حده لئلا ينقلب الأمر إلى ضده وهو ما لا يفهمه كثير من النصارى في مصر الآن، على سبيل المثال، فلا يدرك خطورة هذه التجاوزات إلا قلة من عقلائهم ينظرون إلى عاقبة تلك الاستفزازات المتكررة التي ستؤدي حتما، إن لم يكن ثم عقلاء، إلى وقوع فتنة عامة، سلم الله، جل وعلا، ديار المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وفي سياق التلويح بخطر الإسلام:

http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/11/27/111949.html

وهي محاولة أخرى لتخفيف الضغوط الأمريكية بطريقة خبيثة ماكرة يجيدها النظام المصري فقد يعطي فسحة للتيار الإسلامي في بعض الأوقات ليرهب أمريكا من خطر الإسلام الذي يتولى هو بنفسه قمعه!، فهو شرطي العلمانية المخلص في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم، والبديل معروف: حكم أصولي يقض مضجع كيان يهود الابن المدلل لأمريكا، فخير لأمريكا أن ترضى بالأمر الواقع!، فالقمع في دول الشرق يناقض ما تبشر به من قيم العلمانية والمدنية، ولكن لا مانع من بقائه فمفسدته أهون بكثير من مفسدة وصول الإسلام إلى سدة الحكم!، ولو بتقديم تنازلات كبيرة كتلك التي قدمتها ولا زالت تقدمها جماعة الإخوان المسلمين من قبيل: تجويز التصويت للمرشحين النصارى إن اقتضت المصلحة ذلك، بل ربما عقدت تحالفات من جنس التحالفات السياسية النفعية بلا أي مستند شرعي، بل وتجويز تولي النصارى منصب الرئاسة فضلا عن المناصب الأمنية العليا، وأخيرا التخلي عن طلب إقامة دولة إسلامية خالصة، فيتلطف في القول بأنها دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وذلك من قبيل الجمع بين المتناقضين، كمن يقول بأن الإسلام دين ديمقراطي!، وهو، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، تركيب لا يصح، فمجرد تبني الطرح الإسلامي الذي يرد أمر التشريع إلى الرب الحكيم العليم، جل وعلا، يهدم ركن الديمقراطية الأعظم: سيادة الشعب فهو الذي يختار القانون الذي يروق له.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير