تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالذوبان في بوتقة الحضارة المادية الجارفة ... !!!

ولا يمكن أن يصدنا عن ذلك دعوي أن عددا من المفسرين السابقين الذين تعرضوا لتأويل بعض الآيات الكونية في كتاب قد تكلفوا في تحميل تلك الآيات من المعاني مالا تحتمله وذلك بسبب نقص في وفرة المعلومات العلمية أو جهل بها , وذلك لما سبق وأن أوضحناه بأن التفسير لأي القرآن الكريم هو محاولة بشرية لحسن فهم دلالة تلك الآيات إن أصاب فيها المرء فله أجران , وإن أخطأ فله أجر واحد , والمعول في ذلك النية , وأن الخطأ في التفسير لا ينال من جلال القرآن الكريم , ولكنه ينعكس علي المفسر , خاصة وأن الذين فسروا باللغة أصابوا وأخطأوا والذين فسروا بالتاريخ أصابوا وأخطأوا ـ ولم ينل ذلك من قدسية القرآن الكريم ومكانته في قلوب وعقول المؤمنين شيئا أما اليوم وقد توافر للانسان من المعرفة بحقائق الكون وسننه ما لم يتوافر لجيل من البشر من قبل , فإن توظيف ذلك الكم من المعلومات من أجل حسن فهم دلالة الآية القرآنية , وإثبات سبقها التاريخي لكافة البشر يعتبر ضرورة إسلامية لتثبيت إيمان المؤمنين , ولدعوة الضالين من الكفار والمشركين والذي سوف يسألنا ربنا (تبارك وتعالي) عن تبليغهم بهذا الدين , ودعوتهم اليه بالحكمة والموعظة الحسنة.

والأخطاء التي وقع فيها عدد من المفسرين الذين تعرضوا للآيات الكونية في كتاب الله , أو تكلفهم في تحميل الآيات من المعاني ما لا تحمله , في تعسف واضح , وتكلف جلي , يحملونه هم , ولا تتحمله آيات الكتاب المبين , لأن التأويل يبقي جهدا بشريا منسوبا لمؤوله , بكل ما للبشر من نقص وبعد عن الكمال , وإذا كان عدد منهم قد جاوز الصواب في تأويله , فإن أعدادا أوفر قد وفقت في ذلك أيما توفيق.

ولم تكن أخطاء المفسرين محصورة في محاولات تأويل الاشارات الكونية فقط , فهنالك عدد من كتب التفسير التي تمتليء بالاسرائيليات الموضوعة , والعصبيات المذهبية الضيقة , وغير ذلك مما لا يقبله العقل القويم , والصحيح المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعن أصحابه المكرمين والتابعين , ولا يرتضيه المنطق اللغوي السليم. فالمعتزلة علي سبيل المثال ـ لا الحصر قد حاولوا في تفاسيرهم اخضاع الآيات لمبادئهم في العدل والتوحيد وحرية الارادة والوعد والوعيد وإنكار الرؤية وغيرها , وتعسفوا في ذلك أيما تعسف.

والشيعة ـ علي اختلاف فرقهم ـ قد دفعتهم المغالاة في حب آل البيت الي التطرف في تأويل الآيات القرآنية تأويلا لا يحتمله ظاهر الآيات. ولا السياق القرآني. ولا القرائن المنطقية المختلفة.

وكذلك المتصوفة والاشاريون ـ فهم علي الرغم من تسليمهم بالمأثور من التفسير , وقبولهم للمعني الذي يدل عليه اللفظ العربي ـ يسمحون لأنفسهم باستنباط معان للآيات تخطر في أذهانهم عند التلاوة وان لم تدل عليها الآيات القرآنية الكريمة بطريق من طرق الدلالات المعروفة في الاستعمال العربي للغة وطرائق التعبير فيها.

أما المنحرفون من أتباع الفرق الباطنية وافرازاتها القديمة والحديثة (كالقرامطة والبابية , والبهائية , والعلوية النصيرية , والقاديانية الأحمدية , والاسماعيلية , والدرزية وغيرها) فتمتليء تفاسيرهم بالانحرافات التي تنطق بالتعسف والافتعال , ومحاولات تطويع القرآن لمبادئهم المضللة في تكلف ملحوظ.

فهل معني ذلك أن يتوقف علم التفسير عند حدود جهود السابقين من المفسرين؟ ويتوقف فهم الناس لكتاب الله الذي أنزل إليهم ليتدبروا آياته , ويعيشوا في معانيه , ويتخذوا منها دستورا كاملا لحياتهم عند جهود قدامي المفسرين علي فضلهم , وفضل ما قدموه لخدمة فهم القرآن الكريم في حدود المعرفة المتاحة في أزمنتهم؟ بالقطع لا , علي الرغم من التسليم بأن هذه الانحرافات وأمثالها كانت من وراء الدعوة إلي الوقوف بالتفسير عند حدود المأثور , فكتب التفسير علي تباينها تحوي تراثا فكريا وتاريخيا لهذه الأمة لايمكن التضحية به , حتي ولو كانت به بعض الأخطاء أو التجاوزات , الا اذا كان القصد الواضح هو التحريف , وهو أمر لايصعب علي عاقل إدراكه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير