تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من كل ما سبق يتضح لنا أن حجج المضيقين في رفض تفسير الاشارات الكونية في كتاب الله علي ضوء ما تجمع اليوم لدي الانسان من معارف بالكون وعلومه هي كلها حجج مردودة , فالكون صنعة الله , والقرآن هو كلام خالق الكون وواضع نواميسه , ولا يمكن أن يتعارض كلام الله الخالق مع الحقائق التي قد أودعها في خلقه , اذا اتبع الناظر في كليهما المنهج السليم , والمسلك الموضوعي الأمين , فمن صفات الآيات الكونية في كتاب الله أنها صيغت صياغة معجزة يفهم منها أهل كل عصر معني من المعاني في كل أية من تلك الآيات الدالة علي شيء من أشياء الكون أو ظواهره أو نشأته أو إفنائه وإعادة خلقه , وتظل تلك المعاني تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لايعرف التضاد , وهذا عندي من أعظم جوانب الإعجاز في كتاب الله , ومن هنا كانت ضرورة استمرارية النظر في تفسير تلك الآيات الكونية , وضرورة مراجعة تراجمها إلي اللغات الأخري بطريقة دورية.

أما آيات العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات فقد صيغت صياغة محكمة يفهم دلالتها كل مستمع إليها مهما قلت ثقافته أو زادت , لأن تلك الآيات تمثل ركائز الدين الذي هو صلب رسالة القرآن الكريم.

وكذلك الآيات المتعلقة بصفات الله , وبالآخرة وبالملائكة والجن وغير ذلك من الأمور الغيبية غيبة مطلقة فلا يملك المسلم إلا الايمان بها , والتسليم في فهمها لنص القرآن الكريم أو للمأثور من تفسير المصطفي (صلي الله عليه وسلم) لأن الإنسان لايمكن له أن يصل إلي عالم الغيب المطلق إلا ببيان من الله الخالق , وذلك لأن قدرات عقل الإنسان المحدودة , وحواسه المحدودة لايمكن لهما اجتياز حدود عوالم الغيوب المطلقة مهما أوتي الإنسان من أسباب الذكاء والفطنة , ومن هنا كان امتداح القرآن الكريم للذين يؤمنون بالغيب ... !!!

موقف الموسعين: في التفسير العلمي

ويري أصحاب هذا الموقف ان الاشارات الكونية في القرآن الكريم قد قصدت لذاتها أي لدلالاتها العلمية المحددة , مع التسليم بوجوب استخلاص الحكمة والعبرة منها , والوصول الي الهداية عن طريقها , وانطلاقا من ذلك فقد قام اصحاب هذا الموقف بتبويب آيات الكونيات في كتاب الله , وتصنيفها حسب مختلف التصانيف المعروفة في مختلف مجالات العلوم البحتة والتطبيقية , ثم اندفعوا في حماسهم لهذا الاتجاه الي المناداة بأن القرآن الكريم يشتمل علي جميع العلوم والمعارف.

ولابد لحسن فهم تلك الاشارات الكونية في كتاب الله ـ من تفسيرها علي ضوء اصطلاحات تلك العلوم والمعارف , ثم زاد البعض بمحاولة اثبات ان جميع حقائق العلوم البحتة والتطبيقية التي استخلصها الانسان بالنظر في جنبات هذا الكون هي موجودة في القرآن الكريم استنادا الي قوله تعالي:

( .. ما فرطنا في الكتاب من شيء ... )

(الأنعام: آية 38)

وقوله ...

(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء .. )

(النحل: آية 89)

وهذا في رأينا موقف مبالغ فيه لان السياق القرآني في الايتين السابقتين لايتمشي مع ما وصلوا اليه من استنتاج , لأنهما يركزان علي رسالة القرآن الأساسية وهي الدين بركائزه الأربع الأساسية: العقيدة , والعبادة , والأخلاق والمعاملات , وهي القضايا التي لا يمكن للإنسان أن يضع فيها لنفسه ضوابط صحيحة. وهي التي استوفاها القرآن استيفاء لايقبل إضافة , أما قصص الأمم السابقة والاشارات إلي الكون ومكوناته فقد جاء القرآن الكريم بنماذج منها تشهد لله الخالق بطلاقة القدرة علي الخلق وإفنائه وإعادته من جديد. وربما كان هذا الموقف وأمثاله من الاسباب الرئيسية التي أدت الي تحفظ المتحفظين من الخوض في تفسير الايات الكونية الواردة في كتاب الله علي اساس من معطيات العلوم البحتة والتطبيقية , أو التعرض لإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها.

موقف المعتدلين في التفسير العلمي

ويري أصحاب هذا الموقف أنه مع التسليم بأن القرآن الكريم هو في الاصل كتاب هداية ربانية , أساسها الدعوة إلي العقيدة الصحيحة والأمر بالعبادات المفروضة والحث علي الالتزام بمكارم الأخلاق وعلي التعامل بالعدل , أي أنه دستور كامل للحياة في طاعة خالق الكون والحياة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير