تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فدقت الطبول، وبدا الرقص فرحا على قرعاتها .. لقد كانوا ينتظروننا منذ الصباح، وما إن نزلنا من السيارة حتى هاجت الجموع راقصة ومصفقة لتعبر عن فرحتها بوصولنا،

وكان أمير القرية الشاب ومعه مساعدو الشيخ حميد أول من استقبلنا، وما إن سلمنا عليه حتى بدأ الأمير بكل حماس يقول كلاما بلغته التي لم نفهمها، إلا أن الشيخ سلمان- وهو الداعية المكلف بالبقاء معهم بعد إسلامهم لتعليمهم أمور دينهم -بدا يترجم لنا ما قاله الأمير .. وكم كان مؤثرا ذلك الكلام، بل كم كان مؤلما لنا ونحن نستشعر تلك المسؤولية التي ألقتها على كواهلنا كلمات الأمير ..

لقد قال: ((كنت أحب الإسلام والمسلمين ولكني كنت مترددا ولست متأكدا .. لكن الآن وقد جئتم (يقصد العرب) فإني أشهدكم أني آمنت بالله وحده، وهلموا معي إلى بيتي لتحطيم الصنم الذي أعبده))

ياالله .. كم من الناس تنتظرنا نحن العرب لنبلغهم دين الله .. ونخرجهم من ظلمات الكفر والشرك .. أية مسؤولية هي تلك الملقاة على عواتقنا نحن العرب المسلمين.

لقد أخبرنا الشيخ حميد فيما بعد: أنهم يتفاخرون فيما ما بينهم إذا ما دخل أحدهم الإسلام على يدي عربي .. بل اخبرنا انهم عندما سمعوا أن القافلة فيها عرب ازدادت أعداد الراغبين في الإسلام ..

شكرنا الأمير على هذه المشاعر، وبعد المصافحة والعناق اخترقنا صفوف الجموع لنصل إلى المكان الذي أعدوه لجلوسنا.

أجلسونا حيث جهزوا لنا مسبقا الكراسي الخشبية المغطاة بالأقمشة،ووضعوا أمامها طاولة صغيرة غطوها بالقماش أيضا، وبعد جلوسنا، ازدادت وتيرة الرقص، وهذه عادة القرى الإفريقية في استقبال الضيوف في تلك المناطق.

وبصعوبة بالغة هدئت الجموع المحتشدة لسماع كلمة الأمير؛ التي بدأها مرحبا بنا، ومؤكدا على رغبتهم في الإسلام واقتناعهم به، وراصدا لنا قائمة من الطلبات والاحتياجات لأهالي القرية، آملا منا مساعدته في توفيرها، ومكررا بشكل ملفت للنظر مطالبته لنا بمساعدته على أداء فريضة الحج.

بعدها، وفي مشهد يبشر بأن الفجر قادم لا محالة .. الجموع الحاضرة تعلن الشهادتين

وتعلن قرية أغوديكا ميلادها الجديد،خاضعة لخالقها الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد عائدةإليه، تائبة منيبة مستسلمة .. فالحمدلله الذي هداهم.

ما إن انتهت لحظات نطق الشهادتين حتى علت أصوات الجميع بالتكبير، وارتجت القرية في صوت واحد تردد: الله اكبر .. الله اكبر .. الله اكبر.

ثم ألقيت الكلمات من الوفد المشارك في القافلة،

ووزعت المواد الغذائية والمياه والأباريق والفوانيس والحصر على الحاضرين، بعد أن قدمت هدية خاصة للأمير قبلها مسرورا وشاكرا.

توجهنا بعدها إلى بيت الأمير- المبني من الطين والمسقوف بفروع وأوراق الأشجار- وكان ضمن مجموعة بيوت مماثلة بينها ساحة مربعة صغيرة وكل البيوت تفتح على هذه الساحة.

كان للبيت بابا خشبيا .. وإلى جوار الباب كان هناك قطعة من الحديد وأمامها قطعة من الحجر الترابي موضوعة بداخل إطار معدني هو عبارة عن إطار قدر متهالك لم يتبق سواها من القدر، وقد ارتكز بجوارهما عود من الخشب - مستندا إلى جدار البيت- وهو عبارة عن فرع تم قطعه من إحدى الأشجار، كان هناك بقايا صفار وبياض البيض وريش طيور .. لقد كان هذا الشيء المجمع من أشياء لا قيمة لها هو الصنم الذي يعبده الأمير وأهل القرية

وبحمد الله،وفي دلالة كبيرة وصادقة على اقتناع الأمير بالدين الحق، دين الإسلام .. قام الأمير بتحطيم الصنم بيديه وجعله جذاذا بعد أن أهوى عليه بقطعة ضخمة من الحطب، فتحطم الصنم وتهاوى معه عهد من ظلام الكفر والشرك، مؤذنا بميلاد قرية أغوديكا الجديد، وفاتحا صفحة جديدة في حياة القرية، ترسم خطواتها كلمة التوحيد، وينير دربها كتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.

تزامن وقت انتهائنا من كل هذا مع وقت صلاة الظهر .. فبحثنا عن مكان لأداء الصلاة .. فوجدنا مدرسة مبنية خارج القرية وأمامها ساحة كبيرة وفي وسطها شجرة تلقي بظلالها الممزقة على جنبات الساحة وكان بجوارها بئر بنته منظمة (بلان انترنشيونال) ذات الأهداف التنصيرية،والتي بنت المدرسة أيضا.

فتحركنا باتجاه المدرسة وتبعتنا الجموع الغفيرة من أهل القرية في مشهد مهيب يبعث السرور في قلوب المؤمنين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير