تنوين التنكير: كقولك: رأيت سيبويه، بكسر سيبويه، لأن كل اسم ينتهي بـ: "ويه" يبنى على الكسر، ولكن هنا يزاد على الكسر التنوين، إذا أردت بـ: "سيبويه"، أي رجل يحمل هذا الاسم، خلاف ما لو قصدت سيبويه، رحمه الله، النحوي المشهور، صاحب "الكتاب"، الفارسي، العجمي نسبا لا الأعجمي لسانا، فإنك تبنيه على الكسر دون تنوين،
تنوين العوض: وهو إما أن يكون عوضا عن:
حرف أصلي، كتنوين: "جوار" و "غواش"، وفاقا لسيبويه والجمهور.
أو: حرف زائد، كتنوين "جندل"، إذ تنوينه عوض من ألف "جنادل"، على تفصيل.
أو مضافا إليه:
مفردا: كقوله تعالى: (وكل كانوا ظالمين)، فتقدير الكلام: وكل أمة منهم كانت ظالمة فاستحقت عقاب الله، عز وجل، فعوض عن المضاف إليه: أمة، بالتنوين، وهذا من المواضع التي تظهر فيها بلاغة القرآن الكريم في الإيجاز، بحيث يصل المعنى لذهن القارئ بأقل عدد ممكن من الكلمات دون نقص أو خلل، والله أعلم.
أو جملة، كقوله تعالى في سورة الروم: (ويومئذ يفرح المؤمنون)، فتقدير الكلام: فيوم إذ ينتصر الروم، أهل الكتاب، على الفرس، عباد النار، يفرح المؤمنون بنصر الله، لأن أهل الكتاب أقرب للمسلمين من الفرس الوثنيين، فكانوا أحق بتأييد المسلمين من هذه الجهة، ولا شك أن بلاغة القول هنا أوضح منها في حالة الكلمة، لأن التعويض عن جملة كاملة بحركة واحدة، أبلغ من التعويض عن كلمة بنفس الحركة، والله أعلم.
تنوين الترنم: وهو يقع في الشعر ضرورة، أي لضرورة النظم، ويلحق الأفعال، والأصل فيها ألا تنون، لأن التنوين من علامات الاسم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وتفصيل ما سبق يطلب من كتب النحو، والله أعلم.
ومن مسائل هذا البيت:
الفرق بين النون الساكنة والتنوين:
أولا: أن النون الساكنة تظهر كتابة ولفظا، خلاف التنوين، فهو لا يظهر إلا لفظا.
ثانيا: أن النون الساكنة قد تتوسط، "أي تأتي في وسط الكلمة"، وقد تتطرف، "أي تأتي في طرف الكلمة"، خلاف التنوين فهو لا يقع إلا متطرفا، فلا يتصور تنوين في وسط كلمة.
ثالثا: أن النون تقع في الأسماء، كقولك: "نعمان"، والأفعال، كقولك: "نصلي"، بينما التنوين لا يقع إلا في الأسماء فقط، فهو من العلامات التي يعرف بها الاسم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
.
رابعا: أن النون لا تسقط وقفا، أي عند الوقوف عليها، إن كانت متطرفة، كالوقوف عليها، في كلمة: "من"، في قوله تعالى " (من هاد)، أو وصلا.
بينما التنوين يسقط وقفا، كما في لفظ "أترابا"، في قوله تعالى: (وكواعب أترابا)، إن وقفت عليه، ويعوض عنه بمد يعرف بـ: "مد العوض"، ومقداره حركتان، ولا يسقط التنوين وصلا بطبيعة الحال، والله أعلم.
وقوله: "والمدود":
يعلم منه أن الشيخ، رحمه الله، قد تعرض لمسألة المدود، وقد أفرد لها، الجزء الأخير من المنظومة، كما سيأتي بيانه تفصيلا إن شاء الله.
والمد لغة: الزيادة، ومنه قيل لمد البحر "مد" لأنه زيادة في موج البحر حتى يبلغ الشاطئ، وعكسه: "القصر"، وهو النقص.
واصطلاحا: زيادة المد في حروف اللين لأجل همزة أو ساكن، كما عرفه الشيخ علي محمد الصباغ، رحمه الله، وقد يرد على التعريف أمران:
الأول: أنه طبقا لقواعد علم المنطق في صناعة التعاريف والحدود، لا بد أن يكون الحد المعرف خاليا من أي كلمة تدل على "المعرف"، بفتح الراء، صيغة اسم مفعول، وقد ذكر الشيخ، رحمه الله، هنا، كلمة "المد"، في تعريف "المد"، فلزم منه الدور، وهو توقف الشيء على نفسه، وعليه فإنه يمكن أن يستبدل لفظ: المد، بـ: زيادة الصوت، فيقال بأن المد: هو زيادة الصوت في حروف اللين لأجل همزة أو ساكن، والخلاف يهون إذا ما أردنا بالتعريف مجرد إيصال المعنى لذهن السامع، بأي صيغة كانت، دون التقيد بهذه الحدود المنطقية الدقيقة، فالتعريف بالمثال، على سبيل المثال، قد يكون أبلغ من التعريف بالحد المنطقي، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام، رحمه الله، فلو سئلت عن تعريف الخبز، على سبيل المثال، فالأسهل: أن تأتي للسائل برغيف خبز بدلا من قولك: هو ذلك القرص المستدير المصنوع من الدقيق .......... الخ.
والثاني: أن الشيخ، رحمه الله، قال: (في حروف اللين)، والمد يكون في حروف المد (الألف والواو والياء)، وحروف اللين: (الواو والياء إن سكنتا وفتح ما قبلهما)، فاكتفى الشيخ، رحمه الله، بذكر حروف اللين فقط، وقد يخرج قول الشيخ، رحمه الله، بأنه قصد بحروف اللين، حروف المد جميعها، لأن المتأمل في حرف الألف، يجد أنه ساكن في نفسه، وما قبله لا بد أن يكون مفتوحا فلا يعقل في اللغة أن تأتي ألف بعد ضم أو كسر، وعليه يكون حرف الألف حرف مد ولين في نفس الوقت، ويكون قول الشيخ: (حروف اللين)، شاملا لحروف المد، وزيادة، فيشمل: حروف المد: (الألف الساكنة، المفتوح ما قبلها، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة، المكسور ما قبلها، وقد جاءت كلها في كلمة: "نوحيها")، وحروف اللين: (الواو والياء إن سكنتا وفتح ما قبلهما، كقوله تعالى: "من خوف"، فالواو ساكنة مسبوقة بخاء مفتوحة، وقوله تعالى: "إليه يصعد"، إن وقفت على "إليه"، فالياء ساكنة مسبوقة بلام مفتوحة).
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥