تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 02:07 ص]ـ

"رزق الهبل على المجانين"!

يزعم المشارقة أن المغاربة هم حذاق صنعة السحر، ويزعم المغاربة أن المشارقة هم جهابذتها! وعلى الرغم من انتشار ظاهرة "باب سين" والعلاج منه في الشرق والغرب، إلا أن الواقع يشير إلى تفشي هذه الظاهرة في المغرب العربي وفي أوساط المغاربة في أرض المهجر أيضا تفشياً كبيراً. فعندنا في مدينة أنتورب (بلجيكا) حيث أسكن أكثر من عشرين "معالجا" من السحر. وبما أن البضاعة رائجة والتجارة رابحة ـ ذلك أن معدل "المصابين" به الذين يزورون أحد "المعالجين" يتراوح ما بين الثلاثين والخمسين في اليوم ـ فلقد رأى الكثيرون في هذا "العلاج" باباً من أبواب الرزق، فدخل على الخط مصريون ولبنانيون وسوريون، أصبحوا بين ليلة وضحاها ممن "يطرد الأرواح الشريرية" من أجساد "الملبوسين"!

ولعل أشهر المعالجين في المدينة هو رجل لبناني بزَّ جميع المغاربة والمشارقة في الصنعة، ولا أبالغ إذا قلت إن ثروته التي جمعها من "العلاج" كبيرة جداً، ذلك أني أثبتُّ بأم عيني مرة أن "يوميَّته" لم تقل عن الألف يورو، وهو يعمل سبعة على سبعة، وعمله غير شرعي بمعنى أنه غير مصرح به لهيئة الضرائب، فكل ما يدخله من الصنعة هو ربح صاف! وكنت تعرفت عليه قبل سنوات، عندما أرسل إليَّ تعويذات بالعبرية لأترجمها له، فأثارت تلك التعويذات فضولي لغرابتها، فزرته لأعطيه الترجمة ـ على غير عادة مني ـ وقت "العيادة"، وذلك على الرغم من طلبه مني ألا أزوره وقت "العمل"، فرأيت العجب، وسمعت العجب أيضاً ..

رأيت العشرات من "المرضى" ببابه، أكثرهم نساء وأقلهم رجال! ورأيته يرتدي لباساً شرقيا أسود وعمامة سوداء، وقد ملأ أصابعه بالخواتم الفارسية ذات الألوان المختلفة، وكان دخان البخور يعج في الغرفة، وكان يُجلس "المريض" على كرسي لصق فوقه قائمة طبعت عليها أسماء الله الحسنى، ثم يتلوها بطريقة عجيبة، ويمط حنكه مطاً يثير لدى "المرضى" الذين يتقبلون ـ بسبب تركيبتهم النفسية ـ هذا الضرب من "العلاج"، انطباعاً مهيباً! وكان يقول لكل مريض يجلس على كرسيه: "أنت مسكون" بعفريتين أو ثلاثة وأحيانا عشرة! وكان يطلب من كل واحد يجلس على كرسيه العجيب ألا يتكلم بل يجيب على أسئلته برفع الشاهد إلى الأعلى كناية عن النفي وخفضه إلى الأسفل كناية عن الإيجاب. ثم يبدأ بالحديث إلى العفاريت التي استوطنت "المريض" ويسألها قائلاً: "بحق فلان وفلان وكذا وكذا: أين سكنتَ هذا المسكين"؟ "في المغرب أم في بلجيكا"؟!!! ثم يدخل إلى الداخل، إلى غرفة مفتوحة على العيادة كان أجلسني فيها، ويأخذ ورقة رسم عليها مربعات بحبر أصفر، كان كتب بداخلها حروفاً، فيدفعها إلى "المريض" ويقول له: "انقعها في طنجرة واتركها ليلة كاملة في الهواء الطلق ثم اشرب ماءها! سوف تستفرغ بعدها فتخرج العفاريت منك .. وإذا لم تستفرغ، فعد إليّ في الحال"!!! وكان في الغرفة التي أجلسني فيها حوالي مائة ورقة معدة سلفا، بعضها منشور على الطاولة ليجف، وبإزائه كيس من الزعفران الاصطناعي .. وربما قال لأحدهم: عليك بالذهاب إلى مطار بروكسيل وقت إقلاع طيارات إلى المغرب .. ثم اقرأ هناك كيت كيت فيخرج العفريت منك ثم يسكن مغادراً فيعود إلى بلاده الأصلية ..

وكان في وسط الغرفة طاولة عليها حوالي عشرة أجران صغيرة فيها أصناف كثيرة من البخور، وبجانبها طبق فيه ورقات نقدية .. وبما أنه يفعل ذلك "في سبيل الله"، فهو لا يطلب شيئاً لقاء أتعابه! وعندما يعرضون المال عليه ـ بعد الدعاء له ـ كان يقول: لا! ولكن ضع في هذا الطبق ما تجود به تفسك من أجل شراء البخور الذي يطرد الشياطين من الغرفة ويجلب الملائكة إليها!!! فيستحيي الناس ويضعون قطعة ورقية بقيمة خمسين يورو على الأقل، علماً أن زيارة الطيبيب تكلف ثمانية عشر يورو في بلجيكا!

قلت له بعد ما ناقشنا الترجمة: "من كل عقلك"؟! قال: "طبعاً"، وحاول أن يقنعني أن ما يقوم به شيء حقيقي. فقلت له ممازحا: "على هامان يا فرعون"؟! فقال: "ما رأيك في تناول العشاء في مطعم فلان الفلاني؟ والعشاء على حسابي"!

ثم زرناه فيما بعد بصحبة بعض الظرفاء المشارقة والمغاربة بحجة أن أحدهم "معقود" .. فعالجه .. وكانت لنا معه مقامة عظيمة، كاد الضحك فيها أن يأتي علينا لولا عناية الله!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير